أهم الأخبار

الأئمة ينهبون أموال اليمن.. تقرير عن امبراطورية الحوثي المالية

2015-02-05 الساعة 08:40م

يمن سكاي – الخبر نت:

بعد أن استولى الحوثيون على محافظات إب والحديدة وجزءاً من البيضاء ولا تزال تعز في مخيلتهم وعلى خارطتهم، بدأت تتقافز الأحداث التاريخية الإمامية الجديدة القديمة إلى الذاكرة اليمنية والصور التي أفرزتها السيطرة الإمامية على تلك المناطق قديماً وحديثاً مكررة نفسها بنفس الآليات والأدوات رغم أننا في القرن الحادي والعشرين.

ففي أثناء استعداد الحوثيين للاحتفال بـ (المولد النبوي) في إب سارعت لجانهم وعمالهم إلى جباية الأموال من أبناء تلك المناطق باسم المولد؛ جباية ليست عن طيب نفس من المواطنين والتجار بل تم إكراههم عليها، لتقفز الصورة الأولى من عمق التاريخ الوسيط والحديث للأئمة السابقين في سلب ونهب أموال تلك المناطق وتقاسم أرضها وديارها ليغنى كل فليس ويسمن كل صعلوك، بحسب مؤرخهم محمد الكبسي.

أجبر الحوثيون التجار على تمويل مولدهم ورعاية لجانهم بالمال والإطعام والكساء والمأوى، وفرضوا المكوس المختلفة عليهم، وفرضوا الخمس، وليس أدل على ذلك من تلك الوثيقة التي تناولتها وسائل الإعلام لناشطين، من طلب الحوثيين “دفع الخمس للجان الشعبية” دون تحديد إلى أي مورد ومصرف تذهب.

هذه الصور والتصرفات من قبل الأئمة الجدد (الحوثيين) تنبش في ذاكرة التاريخ اليمني وخاصة اليمن الأسفل تلك الصور السوداوية المظلمة التي تستثير الناس في كل مكان لعدم العودة إلى الوراء وما هي إلا نذر ثورة جديدة عليهم كتلك التي بدأها الفقيه سعيد الدنوي، ويبدو أن سبتمبر لن تكون الأخيرة، وما ثورة 11 فبراير إلا إحدى تجليات تلك الثورات في حقيقتها ثورة على الدولة العميقة الإمامية التي عادت بثوب جمهوري تتحكم في كل أجهزة الدولة لم تغير من واقع اليمنيين شيئاً، لذلك كان هم الحوثيين (الأئمة الجدد) القضاء على ثورة 11 فبراير حتى لا تكمل نقص سبتمبر.

من أراد الثراء السريع عليه النزول إلى اليمن الأسفل:

لقد كانت مناطق اليمن الأسفل في إب وتعز وعدن ولحج والحديدة وريمة تمثل أهم المناطق الغنية بالموارد المالية للدولة الزيدية الإمامية مورد جباية لا مورد نهضة اقتصادية.

حيث كانت تلك المناطق عمود الاقتصاد الإمامي الزيدي خاصة من تاريخ 1000هـ إلى عهد قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م. فلقد كان الاقتصاد الإمامي متخلفاً بدائياً على صورته قبل آلاف السنين متمثلاً في جباية الأموال من الزراعة والزكوات والمكوس والضرائب التي كانوا يفرضونها على الرعية، في حين لم يعرفوا صناعة ولا تجارة ولا غيرها.

لذلك كانت كثير من مراكز القوى أو المتنفذين من الشخصيات الاجتماعية من أقرباء الأئمة أو المشايخ في مناطق صنعاء وحجة وعمران وذمار يتنافسون ويتسابقون في تقديم الولاء والطاعة للإمام حتى ينال حظوة منه فيرسله والياً أو جابياً على تلك المناطق ويتقاسمونها كما يتقاسم الورثة تركة أبيهم. وكان أولئك الولاة المتنفذون يزيدون في تكاليف وتقديرات الزكاة والضرائب والمكوس على الرعية من تلك المناطق دون قدر معلوم فيتقاسمونها مع الإمام في ذمار أو صنعاء أو شبام أو حوث الأهنوم أو غيرها، وفي المقابل يتغاضى الإمام عن كل تلك التصرفات من الولاة ولا يستمعون شكوة شاكٍ متظلم أو مقهور يطالب الإمام الإنصاف من ولاته أو عزلهم.

ومن ذلك مثلاً ما أورده مؤرخهم وابن عمهم يحيى بن الحسين بن القاسم في كتابه “بهجة الزمن في حوادث اليمن” أن من ذلك التقاسم بالقول: “وكانت أهم الموارد المالية التي تصل إلى خزينة الدولة هي عائدات الموانئ، والتي كان أهمها في تلك الفترة ميناء المخا، وما كان يفرض فيه من جمارك تؤخذ على السفن التجارية والتجارة في الميناء.

وكان نصف عائدات المخا لمحمد بن الحسن، ونصفه للإمام المتوكل، وعند وفاة الأول أصبحت جميع عائداته للإمام، وفي أيام الإمام المهدي بن الحسن بن القاسم (1087 – 1092 هـ) “أرسل المهدي إلى اليمن الأسفل أن الولاة الذين قد اكتسبوا فيه الأموال كالشيخ راجح وولده، والسيد جعفر الجرموزي صاحب العدين وغيرهم يسلمون الذي على ما لهم من المطالب، بعد معرفة ذرعه، فتضرر أولئك، وقالوا بأيديهم مراسيم وخبريات من المتوكل وغيره”.

كان ولاة الإمام المهدي أحمد بن الحسن يجورون على الرعية ويزيدون من مقدار مكوس وجباية أموالهم، وخاصة أبناء اليمن الأسفل، “وكان أحمد بن الحسن يتغاضى عنها في مقابل طاعته وإرسال ما عليهم من أموال إلى خزينة الدولة، فنجده مثلاً في سنة (1091ه‍/1680م) يأمر بزيادة العائدات من بعض المناطق، ومنها حجة التي كانت عائداتها من قبل أربعة آلاف، فأمر بزيادتها إلى سبعة آلاف. كما أمر بزيادة عائدات منطقة ريمة إلى ستة آلاف.

كما ظلوا يتقاسمون اليمن الأسفل جيلاً وراء جيل، ما إن تغتني الأسر الأولى وتتضخم ثرواتها حتى تأتي أسر وأجيال أخرى لذات السبب.

ففي أيام المؤيد بن المتوكل، تقاسمت الأسر المقربة من الأئمة اليمن الأسفل إلى أقسام متعددة، وقد ذكر ذلك المؤرخ يحيى بن الحسين في كتابه “بهجة الزمن” بالقول: “إسحاق بن المهدي فاستقر بذي أشرق، واستمد من البلاد التي تليه له وأصحابه. وإبراهيم بن المهدي صنوه استقر بيريم تصرف فيها واستولى على ما فيها. وعبد الله بن محمد بن يحيى بن الحسن استولى على نقطة اليمن الأسفل العدين، ودخله وتصرف في محصوله. ومحمد بن المهدي أرسل أبا ريحان بعييِّنة لقبض ربع المخا حسبما وضع له محمد بن المتوكل في شروطه؛ وخلت يد المؤيد بن المتوكل عن جميع اليمن الأسفل بالمرة. ولم يبق له فيه إلا مجرد الخطبة وصار في أشد حاجة، وخلت خزائنه، ولم يبق له من البلاد إلا دون ما كان له منها في وقت والده؛ لأنه زاد خرج من بلاده الأولى قبل انتصابه بلاد حراز لأحمد بن محمد بن الحسين ، وبلاد ثلا لصنوه قاسم بن المتوكل”. وتابع المؤرخ يحكي تقاسم اليمن الأسفل: “وابن المهدي محمد صاحب المنصورة أرسل ولده إسماعيل إلى بلاد ابن شعفل لإصلاحها، وتسكينها، وصلاح طرقها، ورد ما نهبوه فيها، فلما دخلها وصل ابن شعفل وأبرز خطوط صاحب المنصورة بأنه الذي أمر له بدخول قعطبة والتقدم إلى إب وجبلة من خلفها وشرقها، فكان قد أراد ذلك بأمره. والذي وقع في قعطبة بإشارته وخطوطه وأوامره، فأجاب عليه بأن الأمر بدخول تلك الجهة لا بالانتهاب على الضعفة، فأمرهم بتسليم ما قد أخذوا، فأرجعوا ما بقي بأعيانه وأخذ منهم آداب وأعواض. وكاتبوا إلى يافع، فأجابت يافع بجوابات فيها مغالطة ومواعدة. وتفرق اليمن الأعلى والأسفل بين خمسة عشر دولة متفرقة، وكل منهم مع ذلك يقول ما حصل الوفاء لحقه، فكان بهذا التأريخ اتضاع كثير من الولاة والرؤساء وزوال دولهم، منهم حسين بن حسن بن القاسم، ومنهم السيد زيد بن علي بن إبراهيم جحاف الذي كان له بلاد زبيد وبيت الفقيه، ومنهم السيد حسن بن مطهر الجرموزي صاحب المخا، فتولى فيه أبو ريحان من قبل محمد بن أحمد بن الحسن، ومنهم جعفر بن مطهر الجرموزي صاحب العدين استولى عليه عبد الله ابن يحيى بن محمد بن الحسن بن القاسم، ومنهم الفقيه حسين الثلايا الذي كان متولي ثلا، ومنهم صاحب حجة السيد علي بن حسين بن جحاف، بسبب حسين بن محمد بن أحمد بن القاسم، ومنهم السيد إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن جحاف زالت ولايته بريمة، كذلك والي حفاش الجملولي وغيرهم، تحولت حالاتهم، وزالت ولايتهم”.

أحد المعمرين في صنعاء (80 عاما)، يعمل في بعض الشؤون الإدارية لأحد المعسكرات يقول للكاتب: “لقد كنت عسكرياً من عساكر الإمام، خدمت في قضاء التربة، وكان الاغتراب بالنسبة لنا في الحجرية كما هو الاغتراب اليوم في السعودية. كنا مرتاحين ونعود بالأموال الكثيرة في مناطقنا ويا سعد من كان يغترب في الحجرية”.

تكوين امبراطوريات مالية ضخمة:

ولقد كانت تلك الإتاوات والضرائب والزكوات تفرض من عمال الإمام على الرعية بالقوة ويتم تقاسمها بين العامل والإمام، وكذلك عائدات المؤسسات العامة، حتى يفهم لماذا كان أولئك العمال يفرضون مزيداً من الضرائب والزكوات والمكوس، حتى أثروا جميعاً وأثريت عائلاتهم من بعدهم وكونوا كل هذه الإمبراطوريات المالية الضخمة لهم في إب وصنعاء وذمار.

ولم تكن تلك تصرفات خارجية من الولاة بعيداً عن رضى الإمام، بل برضاه، كما يروي مؤرخه يحيى بن الحسين في كتابه (بهجة الزمن) بالقول: «ولما عرف الولاة رضاه وراحته بالتوفير للدفعات جاروا على الرعايا في المطالبات، وفرضوا الزيادات، ولفقوا فيها التلفيقات، وساعدهم فيما يذكرونه من الزيادات، فحصل بسببه الجور»، حتى تعجب قاضي الإمام المتوكل نفسه من كثرة تلك الأموال وما الداعي إلى زيادة فرض الإتاوات والجور على اليمن الأسفل بالقول: «فعجب يحيى جباري قاضي الإمام من ذلك، وقال: «ما كنت أظن أن في خزائن الإمام هذه الممالك، فما الوجه للمطالب والجور في اليمن الأسفل».

حتى أن حكم المتوكل إسماعيل شهد غارات القبائل على أنحاء من تهامة واليمن الأسفل بقصد السلب والنهب، فعاثت فساداً في الديار الآمنة لم يقم بردعهم، بل على العكس من ذلك فقد كانوا يغضون الطرف عنهم لاسترضائهم وضرب بعض القبائل الأخرى بهم.

وعن هذا السلب والنهب واستحلالهم أموال الآخرين يقول الإمام المتوكل إسماعيل القاسمي، وهو يرد على بعض منتقديه باستحلال أموال الناس في قيفة ورداع وبعض المناطق أن يتق الله في ذلك فيقول: «إن الله سيسألني عما تركت في أيديهم من الأموال لا عما أخذت منهم»!!

وبعد ثورة الفقيه سعيد الدنوي في إب واليمن الأسفل، ثم هزيمته أمام الإمام الهادي محمد بن المتوكل أحمد (1256هـ – 1259هـ)، ثم قام عسكر الهادي بنهب قريته الدنوة وأغاروا على كل ما فيها سلباً ونهباً، رغم أن الثورة ما قامت عليه إلا لذات السبب، قال الكبسي في تاريخه (اللطائف السنية ص412): «غنم عسكر الهادي جميع ما في هذه البلدة، وهو شيء خطير ومغنم كثير يجل عن الوصف ويفوت».

حتى وإن كان هناك من الأئمة من أراد التخفيف على الناس ورفع المظالم عنهم، كما في عهد الإمام المؤيد محمد بن المتوكل إسماعيل (1092 – 1097هـ)، كان النافذون ومراكز القوى لا يسمعون له قولاً وصار اسماً لا يملك شيئاً من الفعل ولا القوة ولا الصلاحية. حيث كان الناصر أحمد بن الحسن والياً على الحجرية في الدملوة، وكان قد جار على الناس هناك، فثارت ثورة في قبائل الحجرية وحاصروه في قلعة الدملوة، فكتب الإمام المؤيد إلى فقهائهم ليعرف ما سبب الخلاف ويسعى في الصلح، فأجابوا عليه بأن السبب الجور في المطالب، وأنه طال بهم الصبر على ذلك حتى بلغت القلوب الحناجر، وأنهم لما عرفوا عدم اجتماع الكلمة بينه وبين صاحب المنصورة، وتأكد لهم أن الشكوى لن يكون لها تأثير، وأن المؤيد لن يتمكن من معاقبته أو عزله؛ لأنه دولة قائمة بذاتها مستقلة بنفسها. وهم يعذرون المؤيد لعدم نفاذ أمره لدى صاحب المنصورة، لذلك فهم يدافعون عن أموالهم وأنفسهم، وإزالة صاحب المنصورة عنهم.

مطالب وبنود:

ولقد كان يفرض الإمام الإتاوات على أهل اليمن الأسفل والزكوات المضاعفة بغض النظر هل يوجد رخاء ومحصول أم لا، ومن ذلك ما فرضه من أنواع الإتاوات والزكوات، كما أورد مؤرخه يحيى بن الحسين في كتابه “بهجة الزمن” بالقول: “ولعلَّ أبرز مثال على زيادة الضرائب وبمسميات مختلفة ما ذكره يحيى بن الحسين في أحداث سنة (1085ه‍/1674م) بأن الضرائب المفروضة على اليمن الأسفل من غير الزكاة، وزكاة الفطر قد تضاعفت منها: «مطلبة الصلاة لمن صلى أو لم يصل، ومنها مطلبة الرياح، ومنها مطلبة البارود والرصاص، ومنها مطلبة سفرة الوالي، ومنها مطلبة دار الضرب، ومنها ضيفة العيدين والمعونة … ولم يكن في اليمن الأعلى من هذه المطالب، إلاَّ مطلبة ضيفة العيدين والمعونة».

ويرى يحيى بن الحسين بأنه حتى وإن كان اليمن الأسفل كثير الخيرات والمحصولات بالنظر إلى اليمن الأعلى، فإن الواجب الرفق والعدل، ولا نزيد على الطين بله، فكان على سبيل المثال علي بن الإمام المتوكل قد أرخى العنان لأصحابه، «يفعل كل منهم ما أراد في جهاته، ويحبسون من شاؤوا، ويعملون ما أرادوا».

وكانت هذه من كثرة أسباب الخروج عليه والتمرد، وكان هذا التصرف من الولاة والتجاهل من الإمام من أهم أسباب التمرد والعصيان ضد الدولة، “فقد وصل إلى الإمام في سنة (1083ه‍/1672م) بعض مشائخ جبل صبر يشكون من واليهم راجح الآنسي يطلبون من الإمام عزله وتولية غيره، فرفض طلبهم، عند ذلك امتنع أهل جبل صبر والحجرية عن تسليم ما عليهم من المقررات، وقتلوا ثلاثة من العسكر، وحذف المؤذن في مدينة تعز (حي على خير العمل) من الأذان. فأرسل إليهم المتوكل السيد صالح عقبات بمجموعة من العسكر، وأخضعهم بالقوة. كما استقر محمد بن أحمد بن الحسن في المنصورة، واتخذها مقراً له، وأقام بها التعزيزات العسكرية لردع هذه القبائل”.

وهذه الاستراتيجية يطبقها الحوثي اليوم بحذافيرها دون الاستماع حتى إلى شكاوى المواطنين.

فمن ذلك مثلاً ما قام به مندوبو الحوثي في بلاد الأهجر من المحويت مؤخراً من فرض زكوات وضرائب زراعية على المواطنين على الرغم من تسليمهم إياها للدولة، وأصروا بالقوة على جبايتها منهم أضعاف ما دفعوه للدولة ومن يتخلف عن الدفع يتم الزج به في السجون، كما يروي أحد أبناء المنطقة، كما لم يتم التحقق من القيمة الحقيقية للزكاة أو إمهال الرعية حتى تدبيرها لأسابيع؛ بل أمهلوهم ثلاثة أيام فقط وإلا زج بهم في السجون، حتى تحصلوا في ثلاثة أيام أكثر من 8 ملايين ريال، كما روى أحدهم للكاتب.

فرض الزكاة نصف الأموال:

في سابقة لم يعرفها قانون وضعي ولا عرف بشري ناهيك عن أن يكون تشريع سماوي، عمل الأئمة وعمالهم في اليمن الأسفل على فرض الزكاة على أموال الرعية بمقدار النصف منها. فلئن كانت القوانين الوضعية للدول منذ آلاف السنين، وخاصة في اليمن، لا تزيد عن مقدار 5 %، وفي التشريع السماوي “ربع العشر”، إلا أن الأئمة جاروا على اليمنيين بتحديد مقدار الزكاة على الرعية وخاصة مناطق اليمن الأسفل بمقدار النصف، كما يروي بعض مؤرخيهم، كما أسلفنا، أو كما يروي من عاصروا بعضهم من المتأخرين، رغم حدوث المجاعات في عهدهم وخزائنهم ملأى بالأموال.

وقد طالب المؤرخ والفقيه يحيى بن الحسين برفع المظالم عن اليمن الأسفل التي جعلت مطالبها في الزكاة النصف بالقول: “وأن المطالب في اليمن الأسفل قد زادت وكثرت، مع الطوارئ الزائدة، وعدم التوقف على الحدود الشرعية، بحيث أخبرني بعض أهل تلك الجهة: أن الذي يصير إلى الدولة فوق النصف، وهذا أمر عظيم غير معروف في السابقين الأولين في كلامٍ هذا محصوله، ولولا طلب المشورة ما كنت أذكره لما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: “من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه”.

ولم تكن هذه قصص من التاريخ البعيد فحسب، بل إن التاريخ المعاصر يقول بمثلها كذلك في عهد الإمام يحيى حميد الدين. يقول الحاج عبدالله فارع، وهو مؤرخ شعبي (95 عاماً) عن سنة 1361هـ – 1942م أثناء حدوث المجاعة في ذلك العام بالقول: “كان الناس يموتون من الجوع، تقريباً النصف من كل أسرة كانت تفنى بسبب المجاعة، أكلنا أوراق الشجر من الحلس والعلفق والرهامة وغيرها، وكان الأئمة يبعثون عمالهم لجلب زكاة بيت المال، في ذلك العام خففوا علينا الربع ولكن لم يكن هناك من غلة بسبب عدم نزول المطر وغلت الأسعار والأئمة مصممون على الفطرة وبيت المال فباع الناس حوالي نصف أراضيهم ليسددوا لبيت المال. في العام الثاني جاء المطر والخير وجاء مثمن الإمام يتقاضى زكاة بيت المال وكنت أنا حصلت 15 قدح ذرة وطلبوا مني 7 اقداح يعني قريب من النصف، وهكذا بقية الناس”. تلك المجاعة التي تحدث عنها أبو الأحرار محمد محمود الزبيري في كتابه “خطر الأئمة على الوحدة اليمنية”، كما سيأتي لاحقاً.

وكان يحيى بن الحسين بن القاسم (1035 – 1100هـ) من العلماء الذين ينتقدون من رفع المطالب على مناطق اليمن المختلفة، فكما أرسل رسائل إلى الإمام المتوكل يطلب منه التخفيف في ذلك، نجده هنا يرسل الرسائل إلى أحمد بن الحسن ومحمد بن المتوكل يطلب منهما تخفيف رفع مطالب اليمن الأسفل، وأن الولاة يضطرون إلى رفع المطالب بسبب التشديد عليهم من الإمام، ويبدي استغرابه بأن المطالب قد زادت من زمن الحسن بن القاسم بقدر النصف من ذلك “فالواجب حط النصف من المطالب”.

يأكلونهم لحماً لتلتهمهم المجاعات عظاماً:

وحينما تحل الكوارث كالجفاف والقحط، ورغم امتلاء خزائن الإمام والدولة بها، لم يكن الأئمة يقومون بواجبهم كسلطة ودولة تجاه رعيتهم من مساعدتهم أو حفظ جميلهم في جبايتهم طوال السنين ويمكن مساعدتهم أثناء الشدة، بل يتركون الشعب ليموت جوعاً.

ففي عام 1079هـ حدثت مجاعة رهيبة بالشعب اليمني استمرت ثماني سنوات، في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، حدثت “فترات الجفاف التي عمت اليمن منذ سنة (1079ه‍/1668م) حتى وفاته [سنة 1087] (أي مدة ثماني سنين)، إذ إنه نتيجة لعدم سقوط الأمطار زاد الجفاف والقحط، وارتفعت الأسعار. وكثر الموت من الجوع والمرض، فراح عالم لا يحصيهم إلاّ الله تعالى. وبلغ القدح إلى قرشين”.

يروي المؤرخون أن خزائن الإمام العامة كانت ملأى بما يفوق الوصف والخيال بكل أنواع الغلل والأموال العينية، وكذلك كانت خزائنه الخاصة، التي وجدوها بعد وفاته، حتى تعجب قاضي الإمام المتوكل نفسه من كثرة تلك الأموال وما الداعي إلى زيادة فرض الإتاوات والجور على اليمن الأسفل بالقول: ” فعجب يحيى جباري قاضي الإمام من ذلك، وقال: ما كنت أظن أن في خزائن الإمام هذه الممالك، فما الوجه للمطالب والجور في اليمن الأسفل؟!”.

وتكررت هذه المجاعة في اليمن بعد مائتين وعشرين عاماً في سنة 1361هـ في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، وهو ما ذكره القاضي محمد محمود الزبيري في كتابه “خطر الإمامة على وحدة الشعب اليمني”، حيث صور مشهداً بائساً من أشد الصور قتامة لحكم الأئمة وتفريطهم بالأمانة وبالشعب الذي ينهشوه من كل صوب ويسلمونه للموت في الشدائد، بالقول: “حلت إحدى المجاعات الإمامية الرهيبة باليمن ومات أكثر أهلها بعد أن أكلوا الكلاب والقطط وكانت خزائن الحكومة (الإمامية) ملأى بالحبوب، وراح الناس يسألون الإمام يحيى النجدة فصعر خده لهم وقال كلمته المشهورة: “من مات من الجوع فهو شهيد ومن عاش فهو عتيق”.

الاستباحة والنهب والتدمير:

لقد ذكرتنا حروب الحوثيين الأخيرة وغزوها المناطق المناوئة لها، وما فعلته بتلك المناطق من نهب وتدمير كل شيء أتت عليه مليشياتهم كالتتار، حتى أحذية الحمامات، بل وتقطيع الحديد ونهب حتى الحجارة وطوب البلك من المباني، بتلك الحوادث السابقة لأسلافهم وأجدادهم في استحلال أموال الخصوم ونهبهم نهباً لم يعهد له مثيل إلا في تاريخهم الأول.

ومن تلك الصور مثلاً ما ذكرها محمد المجاهد في كتابه “تعز غصن نضير” صـ66، 92: “أنه عندما دخل السيد علي الوزير إلى تعز سنة 1337هـ هاجم عسكره مسجد الأشرفية وبددوا تلك المكتبة ومزقوا كتبها شر ممزق، ووصل بهم الأمر أنهم قاموا بكشط الذهب الذي يزخرف القباب من الداخل، كما كسروا النجف المصنوعة من الجص داخل المسجد اعتقاداً منهم بأن فيها أموالاً وذهباً.. فكان وهماً مدمراً، ثم مزقوا مكتبة الأشرفية تمزيقاً بغيضاً وكانت عامرة بروائع كتب الحقب والمخطوطات النادرة حتى أنه لم يبق منها أثر. ولما ظلت المدرسة صامدة تبادر إلى ذهن الإمام أحمد حميد الدين – سامحه الله – أن يقيم في مؤخرتها مدبغة للجلود، وهذه أقرب الطرق المؤدية إلى انهيار المبنى ونفذ الفكرة بخبث عجيب، وقد حدث إلى حد ما ما أراد، وحدثت تصدعات كادت تذهب به”.

كان ذلك النهب يقدم بصورة دينية على أنه حلال محض فقد شرعه أئمتهم الأوائل منذ مؤسسهم الأول يحيى بن الحسين الرسي وقبله إبراهيم الجزار بن طباطبا وغيرهم، وصار المتأخرون يسترشدون بما شرعه الأولون في استحلال ما أنزل الله به من سلطان.

النهب بالفتوى:

وقد تحلل ابن حمزة كل أموال من خالفه على اعتبار أنها غنيمة من باب التنكيل بالخصم، كما يفعل الحوثيون اليوم، وذلك في تعريفه الغنيمة وأصدر فيها فتوى، وزاد أن خص بها الأئمة تحديداً، بقوله: “الغنيمة: ما يؤخذ من متغلب على وجه التنكيل، وحكم الغنيمة موكولٌ إلى رأي الإمام إن رأى القسمة بين الغانمين صواباً فعله، وإن رأى المفاضلة جاز له ذلك، وهذا رأينا في الفيء جملة إن أمره إلى الإمام”(صـ457/ج1).

كان الإمام المهدي أحمد بن الحسن معروفاً عنه المماطلة في سداد ديونه للناس والتجار، ولما كثرت مماطلاته ومطالباته بسداد الديون استغل مكانته وأصدر فتوى ضد دائنيه وأفتى “بأن من يقرض أموالاً فعليه أن ينتظر حتى وإن كان المستدين من الميسورين”. وبسبب تلك الفتوى حصل شجار بين أهل الديون والتجار الذين امتنعوا عن قضاء الديون بسبب تلك الفتوى، وأن عليهم أن ينتظروا إلى ثمارهم وغلاتهم، وأدب المهدي المطالبين وأجبرهم على الانتظار، وأمر القضاة أن يحكموا بذلك” كما جاء في كتاب “بهجة الزمن” ليحيى بن الحسين.

وقد انتقد يحيى بن الحسين ابن عمه الإمام المهدي أحمد بن الحسن في مماطلته للديون.

كما رفض القاضي محمد بن علي قيس الثلائي تلك الفتوى، الذي رأى أنه لا بد من وجوب التسليم مع المطالبة للميسورين، وأن الانتظار إنما هو للفقراء المعسرين، فعزله الإمام المهدي عن القضاء، ثم علق المؤرخ يحيى بن الحسين على هذا التصرف بقوله: “وهذه مسألة ما أحد قد قال بها قبل هذا المذكور، واستنكر ذلك جميع علماء عصره، إلا أن الرجل مَلِك، يريد إمرار قوله كيفما كان”.

إستصفاء أموال الشعب لهم وثراؤهم:

لقد كان الأئمة يثرون ثراءً فاحشاً من جبايتهم أموال الشعب بما يفرضونه عليهم من مكوس وضرائب وزكوات وإتاوات بأسماء مختلفة أهمها الخمس، والتبرع “في سبيل الله” وباسم المجاهدين، حتى يبلغون مبلغاً كبيراً من الثراء، ولا يعينون أحداً من الشعب إن حلت به كارثة أو حاجة، ويسلبون أموال الأوقاف وغيرها.

فقد ذكر الزبيري “تكاد تنحصر الأعباء الإمامية في استصفاء ثروة الشعب باسم الزكاة، وقمع الانتفاضات الشعبية باسم الجهاد وقتال البغاة ثم بناء مسجد باسم الإمام تضاف إلى جواره غالباً قبة الضريح لهذا الإمام تمد نفوذه الروح حتى وهو في القبر، ثم يخلف تركة ضخمة من الأرض لأولاده وأحفاده بعد أن يبتزها من الشعب”.

ولقد وصف الإمام الشوكاني – رحمه الله- جانباً من هذا الجمع للمال من حلال وحرام، متحدثاً عن الإمام الناصر يوسف بن المتوكل بالقول: “والحاصل أنه ملك من أكابر الملوك، كان يأخذ المال من الرعايا بلا تقدير، وكانت اليمن من بعد خروج الأتراك منها إلى أن ملكها صاحب الترجمة مصونة عن الجور والجبايات، وأخذ ما لا يسوغه الشرع، فلما قام هذا أخذ المال من حله وغير حله، فعظمت دولته، وجلت هيبته، وتمكنت سطوته، وتكاثرت أجناده، وصار بالملوك أشبه منه بالخلفاء …. وكان سفاكاً للدماء بمجرد الظنون والشكوك” (بهجة الزمن ص).

وقد برر المهدي الأموال التي سلبها من اليمن الأسفل، رداً على اشتراط الزيدية له المبايعة بالإمامة بالقول، كما يذكر صاحب كتاب “بهجة الزمن”: “لديه مستندات من الإمام إسماعيل بما غنمه بسيفه من عدن وغيرها من المناطق التي دخلها مثل لحج وأبين. وأن الإمام المتوكل قد ملَّكه إقطاعاً كانت للأمير عبد القادر صاحب خنفر، وجعل له الربع من المناطق التي فتحها وثلاثة أرباع للدولة”.

استباحة الأوقاف:

لقد كانت أموال الأوقاف من الأموال التي يهاب أخذها أي إنسان مسلم، لحرمتها في الإسلام، وكان اليمنيون يجلون هذه الشعيرة الدينية إجلالاً عظيماً فلا يمسونها، ولذلك فتراثهم الأدبي الشعبي القصصي مليء بالحكايات والمحاذير والمواعظ التي تتحدث عن عاقبة نهب الأوقاف، حتى أن الشعب اليمني ربما عرف بين شعوب العالم الإسلامي بكثرة إيقافه أموالاً للحياة الآخرة، وربما قدرت نصف الأراضي اليمنية أوقافاً.

كما كان اليمنيون يوقفون عيون أراضيهم وأخصبها وأشهرها إجلالاً لتلك الشعيرة التعبدية.

وانتشرت الأوقاف في كل اليمن. وقد كانت الدولة الرسولية من أكثر الدول اليمنية عملاً بالأوقاف وإجلالاً لها، فقد كان ملوك بني رسول يوقفون ودياناً كاملة ليعود ريعها لكفالة المدارس الإسلامية التي أنشأوها لتعليم أيتام المسلمين اليمنيين.

كما كان الملوك الرسوليون يوقفون نفائس أموالهم من أراضي وغيرها لتكون وقفاً لمدارسهم ضماناً لاستمرار التدريس فيها إلى أبد الدهر، وجاء الأئمة وصادروا أوقاف تلك المدارس، فقد ذكر المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع أن المطهر بن شرف الدين صادر كل أوقاف المدارس العامرية والمنصورية والمجاهدية والمدارس الأخرى في جبن من رداع. وجاء بعد الرسوليين الطاهريون ومضوا على نفس المنهج لبني رسول وأوقفوا الأوقاف المتعددة لمدارسهم ومساجدهم.

كما عرف عن صنعاء أن جلها أراضٍ وقفية لمصالح عامة وخاصة أوقاف المساجد وأوقاف البيت الحرام، حتى وصل الحد إلى عمل وقف خاص لرعاية حمام المسجد الحرام، ووقف لإسراجه، ووو…إلخ.

في الفترة المتأخرة من حكم الأئمة لليمن والذين ورثوا الدولة الطاهرية والأتراك، صادروا كل أو معظم هذه الأوقاف استحلالاً لها لأنها أموال (النواصب)، ومن لا يصادرها الأئمة صادرتها وتصرفت بها الشخصيات النافذة في اليمن بعد طبقة الأئمة وهم كبار رجال دولتهم من قضاة وقادة جيوش وأقارب وغيرهم.

ومن ذلك مثلاً ما ذكره المؤرخ يحيى بن الحسين، يقول عن علي بن المتوكل “إنه يحتاج إلى التنبيه في أمور في بلاده العليا، منها: خراب كثير من أوقاف مساجدها وإهمالها وتصرف غير مستقيم فيها وجمع بعض محصولها لغير مصرفها وتضييق سكك صنعاء بإدخال مفاسحها للوقف وهو لا يجوز وليس للوقف استحقاقها بالإجماع، كما ذكره السبكي في كتابه معيد النعم ومبيد النقم وافتقاد مكاييل صنعاء، فإنه صار صانعها يزيد فيها في كل وقت مما يمحق أسعارها ويغيرها ويؤدي إلى الحرام المجمع لمن اقترض بالمكيال الأول وقضاه بالثاني بعد الزيادة فيه مما هو ربا حرام فيها، وأنه يفتقد تقارير الناس وإمرارهم على عوائدهم”.

في عام 2008م شارعت أسرة المتوكل قيادة الفرقة الأولى مدرع بحجة أن أراضي الفرقة هي أراضي تتبع الإمام المتوكل وبنيه من بعده، وحكمت المحكمة على الفرقة بالتعويض، وسلم اللواء علي محسن الأحمر تعويضاً لهذه الأرض ودفع مبلغاً قدره…..وعدله إلى البنك.

ولو عدنا إلى جذور البيوت الثرية اليوم في صنعاء وما حولها وما كونته من امبراطوريات مالية ضخمة وصلتها بدول الإمامة المتعددة ونفوذها في تلك الدول لعرفنا الأسباب الحقيقية لذلك الثراء.

*نقلا عن موقع الخبر نت

المصادر:

- بهجة الزمن في حوادث اليمن – يحيى بن الحسين بن القاسم.

- العقد الثمين – لإمام عبدالله بن حمزة.

- تعز غصن نضير – محمد المجاهد

- اللطائف السنية – محمد الكبسي.

-  خيوط الظلام – عبدالفتاح البتول.

-  فتاوى الإمام عبدالله بن حمزة.

-  المسالك – يحيى بن الحسين بن القاسم.

- الإمامة وخطرها على الوحدة اليمنية – محمد محمود الزبيري.

-  تاريخ اليمن – للحداد.

الأكثر زيارة
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص