أهم الأخبار

تعبئة طائفية وتشويه للحياة العامة وطمس للهوية الوطنية.. هكذا يعمل الحوثيون على إحلال ثقافة لا تشبه اليمنيين

2022-07-06 الساعة 12:39ص (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

قبل دقائق من انتهاء خطبة الجمعة في شارع هائل وسط العاصمة صنعاء، كان "همدان صالح"، ينفخ سيجارته في أحد الأرصفة منتظراً إقامة الصلاة، بينما كان خطيب الجمعة الحوثي يحث الناس على أهمية "الصرخة" في ذكرى سنوية اعتمدوها للصرخة، ومع انتهائه كانت الأصوات تتصاعد بمكبرات الصوت بترديد الصرخة الإيرانية الشهيرة والتي تدعو للموت لأمريكا وإسرائيل، وهو إجراء يفرضه الحوثيون منذ سيطرتهم على المساجد.

 

وقال همدان، الذي كان موظفاً حكومياً، متحدثاً عن وضع صنعاء "كل شيء مستفز هنا الحياة العامة أصبحت مشوهة للغاية لا شيء يدعو للبقاء سوى الارتباط بروح البلاد؛ حتى صلاة الجمعة التي كانت جزء من الروحانية التي نمارس طقوسها بشغف، يتم استخدامها بشكل سيئ لتكريس الحرب والطائفية في يومياتنا".

وخلال ثمان سنوات من سيطرة ميلشيا الحوثي المدعومة من إيران، على العاصمة صنعاء استطاعت تغيير ملامح المدينة وتشويه الحياة العامة فيها، بعدد من الإجراءات التي فرضتها على السكان، مستهدفة هوية المدن اليمنية وطابعها الثقافي، في محاولة لتكريس ثقافتها بالقوة على المواطنين، ما صنع حالة عامة من النفور الجماعي تجاه أي أنشطة يقيمونها.

قتلى حوثيين في ملصقات على جدران منازل صنعاء القديمة (MEE)

كانت المساجد من أولى المؤسسات التي تم تحويلها لترويج الخطاب الحوثي الطائفي في محاولات لبث أفكارهم أو تحشيد الناس لمساندتهم، بالإضافة إلى استعراض سطوتهم الكاملة على حياة السكان، من خلال الاستخدام المطلق للمساجد لخدمتهم، بدءً من فرض خطباء يتبعونهم، وصولاً إلى استخدام مكبرات الصوت لبث محاضرات وخطب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

 

يرى همدان الذي تحدث لـ"المصدر أونلاين"، أنه بقدر ما تكون حملة الحوثيين في ترويج خطابهم محاولة لفرض أفكارهم بالقوة، لكن نتائجها قد تكون عكسية تماماً، يضيف "مثلا أنا كنت ملتزماً بسماع خطبة الجمعة، لكن حالياً لا يمكن أن أفعل ذلك نتيجة معرفتي المسبقة بأن الخطبة عبارة عن دعاية مكثفة للحوثيين، ومستفزة لي شخصياً".

 

يستطرد "في إحدى خطب الجمعة كان الخطيب الحوثي يصرخ في وجوه المصلين أنهم منافقون وعملاء للسعودية لأنهم لا يساندونهم ولا يحضرون فعالياتهم، بالإضافة إلى أن محتوى الخطبة والتي يتبعونها بالصرخة يجعلني أمتنع عن اصطحاب أطفالي معي حتى للصلاة خوفاً عليهم من التعرض لحالة التعبئة".

 

وخلال السنوات الماضية حدثت عمليات رفض واسعة لخطباء الحوثيين من قبل السكان وصلت لحالة الطرد من المساجد، أو حتى خروج المصلين أثناء الخطبة بشكل جماعي، كما حدث ذات جمعة في جامع هائل، وسط صنعاء، حيث قام المصلون بطرد خطيب الحوثيين أثناء إلقائه خطبة الجمعة، وتداول حينها ناشطون فيديو لفوضى المصلين ضد الخطيب الحوثي الذي وصف المصلين بالجبناء والمنافقين.

 

لماذا يجبرون الناس على الصرخة؟

 

يحتفل الحوثيون بصنعاء ومناطق سيطرتهم سنوياً بما يسمونه "يوم الصرخة" حيث يدشنون فعاليات في معظم المؤسسات الحكومية والخاصة، ويخصصون لذلك خطب الجمعة، في محاولة لغرس هويتهم الطائفية التي لا تشبه اليمنيين.

 

وتعود قصة الصرخة إلى مطلع العام 2002، حيث بدأ بترديدها مؤسس الجماعة وزعيمها السابق حسين بدر الدين الحوثي، في مسجد الهادي في مدينة صعدة (شمال اليمن) وكان ذلك بذرة الحرب الأولى التي اندلعت ضد المتمردين الحوثيين في 2004، وعلى إثرها قتل حسين الحوثي، قبل أن يخوض الجيش اليمني بعد ذلك ستة حروب آخرها انتهت مطلع العام 2010، ويعتبر الحوثيون ذلك التاريخ "إعلان انطلاقة المشروع القرآني"، حسب وصف زعيمهم في خطاب له بهذه المناسبة في 2016.

 

تعليق شعار الصرخة الحوثي في أحد شوارع مدينة صعدة (اعلام حوثي)

ليس للشعار الحوثي أي امتداد يمني كما أنه ليس خاصاً بجماعة الحوثي، بل هو شعار أطلقته إيران إبان الثورة التي أطاحت بنظام الشاه في نوفمبر/ تشرين ثاني 1979 عقب اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من قبل أنصار الثورة الإيرانية التي قادها الخميني، ويعمل النظام الإيراني على تصديرها للجماعات التابعة له في العالم العربي، ومن ضمنها جماعة الحوثي في اليمن والتي تعد إحدى أدوات إيران في صراعها الدولي والإقليمي.

 

احتفاء حوثي بيوم الصرخة وعلى الجانب من الصورة جدار مشوه بالعبارات الحوثية (صعدة-اعلام حوثي)

حالياً في العاصمة صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها الميلشيات يتم فرض ترديد الشعار في المدارس والمساجد والفعاليات الحوثية المختلفة، وتم إضافته في التعديلات التي شملت المناهج الدراسية في المدارس الخاضعة لسيطرة الحوثيين. يقول أحد مرتادي المساجد "لا أحد يردد شعار الحوثيين في المساجد إلا أنصارهم الذين يحضرون صلاة الجمعة ويجلسون في الصف الأول بالقرب من ميكروفون المسجد لذات المهمة ، لمحاولة إيهام الناس بأن لهم حاضنة شعبية".

 

عبث الدعاية الحوثية

العبث الحوثي امتد إلى المناظر العامة للمدن من خلال الملصقات والعبارات المكتوبة بالطلاء على جدران الأسوار والجسور في جميع الشوارع.

 

شعارات حوثية في شوارع صنعاء (وسائل التواصل)

وتعكس هذه السلوكيات حالة الهوس بالتعبئة وإظهار السيطرة، حيث يمارسون ذلك بشكل مستمر في جميع مناسباتهم السنوية، بدون أي اعتبار للذوق العام، أو احترام للتراث المعماري اليمني.

 

في باب اليمن التاريخي ومدينة صنعاء القديمة ومحيطها تزدهر الصور والشعارات المثبتة على عقد "الباب" وأسوار المدينة العتيقة، بشعارات مختلفة لميلشيا الحوثي وعبارات متنوعة لزعيمهم الراحل، حيث يطغى اللون الأخضر على مشهد المدينة، بالإضافة إلى الصور المعلقة لقتلى الميلشيات في الجبهات، في كل مكان بما فيها حيطان المساجد الداخلية.

 

شعر "طاهر"، المغترب اليمني في الولايات المتحدة، بالصدمة عندما عاد مؤخراً إلى صنعاء منذ سيطرة ميليشيا الحوثي عليها، خصوصاً تجاه العبث في صنعاء القديمة التي اعتاد زيارتها وهي تحتفظ بكامل هيأتها كمدينة تأريخية.

 

يعلق طاهر: "كثرة الطلاء الأخضر والصور والشعارات الحوثية شوهت جمال صنعاء القديمة بطريقة عبثية، هذه جريمة بحق تأريخ وحاضر البلاد".

 

جدران منازل صنعاء القديمة (وسائل التواصل)

وأضاف في حديث لـ "المصدر اونلاين"، "للأسف لم يقتصر الأمر على الشعارات المرسومة على الحوائط والأسوار العامة، بل وجدتها على منزلنا، رغم أننا لسنا حوثيين ولا نؤمن بأفكارهم، وما حدث أنهم في إحدى المناسبات رسموا تلك الشعارات بطلاء ملون على سور المنزل بكل بجاحة وبدون معرفتنا وكأن الناس كلهم يشبهونهم ويؤمنون بهم".

وشبه "طاهر " عملية إجبار الحوثيين للناس على شعارتهم وثقافتهم الطائفية بحملة الدول الغربية مؤخراً لنشر أعلام "المثليين"، وقال: "هذه ليس عملاً عشوائياً بل عملية ممنهجة لتطييف الناس بلون طائفي واحد غير آبهة بحالة الرفض التي تتوسع رغم القوة".

 

وفي جولة بالشوارع العامة في صنعاء تجد انتشار لصور قتلى الحوثيين في كل مكان ويتم استخدم اللوحات الاعلانية في الشوارع الرئيسية لإبراز صور قتلاهم وعبارات خرقاء لزعيم الجماعة، ولم يكتفوا بقتلاهم خلال السنوات الماضية، بل نشروا صور قتلاهم حتى خلال الحروب الستة السابقة مع الدولة ما بين 2004 – 2010.

 

طمس الرموز الجمهورية

في ميدان السبعين الواسع، الذي ارتبط اسمه بمناضلي الثورة اليمنية المجيدة 26 سبتمبر 1962، بنى الحوثيون فيه مجسماً كبيراً للقيادي الحوثي صالح الصماد الذي قتل في غارة للتحالف بمدينة الحديدة (غرب اليمن) في إبريل 2018، والذي كان يرأس ما يطلقون عليه المجلس السياسي الأعلى (رأس سلطة الأمر الواقع الحوثية الحاكمة بصنعاء)، في عملية طمس لهوية الميدان الذي يخلد الشهداء المناضلين.

 

قبر القيادي الحوثي صالح الصماد" وعناصر الميليشيا بميدان السبعين (اعلام حوثي)

وسُمي الميدان تخليداً لذكرى الشهداء اليمنيين أثناء حصار الإماميين لمدينة صنعاء بعد نحو سبع سنوات من اندلاع الثورة، ما بين أواخر نوفمبر 1967 ومطلع فبراير 1986، عقب انسحاب القوات المصرية من اليمن، حيث حاولت قوات الملكية الإمامية محاولة العودة للسيطرة على صنعاء من جديد وحاصروها 70 يوماً، لكن الثوار قدموا نموذجاً للصمود الأسطوري وهزموا الملكيين رغم الحصار الخانق.

 

وكان إبراز قبر القيادي الحوثي على حساب النصب التذكاري للجندي المجهول، والذي تم إنشاؤه تكريما للجنود الذي قدموا حياتهم دفاعاً عن الجمهورية التي أعلنتها ثورة 26 سبتمبر، كما حاول الحوثيون تغيير اسم ميدان السبعين إلى "ميدان الصمود" كدلالة، كما يقولون، على صمودهم في الحرب، وفق إعلان القيادي الحوثي محمد على الحوثي، لكن فشل تطبيق تلك التسمية حتى في وسائل إعلامهم، ولأن الاسم مرتبط بوجدان اليمنيين.

 

يحاول الحوثيون الآن، والذين يعدون امتداداً فكرياً وسلالياً لحكم الإمامة، محو ذاكرة اليمنين من خلال دفن القيادي الحوثي الصماد، وبناء مجسم كبير في قلب الميدان الواسع، والذي تحول إلى مزار لأنصار الحوثيين ويزدحمون حوله بشكل مستمر، حيث خصصوا له حراسة وإنارة، في حضور طاغي ضمن حملة حوثية ممنهجة تستهدف الذاكرة الشعبية والأجيال الجديدة، لطمس الجمهورية، وإبراز أبطال مفترضين.

 

بالإضافة إلى ذلك عملت على تغييرات واسعة في أسماء الشوارع الرئيسة المرتبطة بالثورة اليمنية والجمهورية وقادتها الثوار من العسكريين والمدنيين، كما استهدفت عملية تشويه ممنهجة للمتحف الحربي في العاصمة صنعاء والذي يضم مقتنيات وصور ووثائق تاريخية، من خلال نهب بعضها، واستبدالها بصور قيادات حوثية وشعاراتهم، وخصصت مواقع لقيادات كبيرة من الميلشيا قتلت خلال السنوات الماضية.

 

المدراس هدف ممنهج للحوثيين

كانت المدارس بشكل أساسي والمؤسسات التعليمية جزءاً من هدف الحوثيين لتغيير هويتها، حيث قامت بحملة تغيير واسعة لأسماء المدارس والمباني التعليمية، في عدد من المحافظات اليمنية، وكان التركيز الأساسي على المدارس الحكومية التي تشمل المراحل الأساسية من التعليم، لا سيما تلك التي تحمل الأسماء المرتبطة بالتأريخ اليمني ثورة سبتمبر، حيث وضعت بدلاً عنها أسماء من التراث الطائفي للحوثيين أو قتلى من قياداتهم.

 

مدرسة عليها صور قتلى حوثيين (وسائل التواصل)

في إبريل/ نيسان2020، صدر قرار حوثي بتغيير أسماء خمس مدارس حكومية في محافظة صنعاء كما يلي: - مدرسة "خالد بن الوليد" إلى "الإمام الهادي"مؤسس الدولة الزيدية في اليمن، ومدرسة "عمر المختار" إلى "على بن الحسين"، مدرسة "الفاروق" إلى "الإمام زيد بن علي"، مدرسة "بابل" إلى "21سبتمبر"، مدرسة "عثمان بن عفان" إلى "مالك الأشتر". كما تم تغيير إسم "مدرسة الشهيد علي عبد المغني"، قائد الضباط الأحرار ومهندس ثورة 26 سبتمبر، إلى "مدرسة الحسن بن علي" في بلاد الروس (32 كيلو متر جنوب صنعاء).

 

وفي مايو/ آيار 2021 أعلن الحوثيون بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) تغيير إسم 12 مدرسة دفعة واحدة في مديرية "الشاهل"، وفي أكتوبر/ تشرين الأول2020، تم تغير أسماء 7 مدارس في مركز المحافظة بمدينة حجة، وفي فبراير/ شباط 2020، تم تغيير اسم مدرستين هما: "مجمع الصالح الثانوي للبنين" إلى "مجمع الشهداء"، و"مدرسة الثورة للبنات" إلى "مدرسة فاطمة الزهراء" بمديرية جبلة بمحافظة إب (وسط اليمن).

 

قال تربوي سابق في العاصمة صنعاء: "الحوثيون يستهدفون الأجيال الناشئة في المدارس بطريقة ممنهجة من خلال طمس الرموز اليمنية وتزوير تاريخ البلاد، لأنهم الأقل ثقافة ومعرفة وبهذا يهدفون لتغيير ثقافة جيل يكون أقرب في الإنتماء الطائفي لهم بعيداً عن التاريخ اليمني والثقافة الوطنية".

 

وأضاف في حديث لـ"المصدر أونلاين"، "ما يمارس بحق الأجيال والنشء في مناطق سيطرة الحوثيين خطير للغاية، حيث يقومون بعملية ممنهجة لإهمال التعليم الحقيقي، وإبراز أفكار الحوثيين ورموزهم كأبطال، وأيضاً إجبارهم على ترديد الصرخة، هذا التراكم لمدة سنوات لا يمكن تجاهله وتأثيره على المدى البعيد".

"سيصحو المجتمع اليمني على أجيال مفخخة بالطائفية بعيده عن التاريخ اليمني والهوية الوطنية بلا معرفة حقيقة لمواجهة المخاطر التي تواجه اليمن كأمة وحضارة ضاربة في جذور التاريخ"، على حد قول التربوي الذي بدا غاضباً وهو يتحدث رافعاً سبابته المرتجفة، بعد أن أمضى عقود من حياته في سلك التربية والتعليم.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص