2022-05-03 الساعة 12:43ص (يمن سكاي - )
"اتصلت بأخوتي وقلت لهم: يكفي أنكم تزوروني وأسلّم عليكم، لا أريد منكم عسب عيد"، هذا ما قالته جميلة (35 عاماً)، لإخوانها الذين توقفوا عن زيارتها في الأعياد الماضية بسبب ظروفهم المادية الصعبة، وهو ما جعلها في موقف محرج أمام أهالي زوجها وصديقاتها.
و "عسب العيد" في العاصمة اليمنية صنعاء، هي مبالغ مالية تقدم خلال العيد للأطفال والنساء من الأهل والأقارب أثناء الزيارات المتبادلة لتقديم التهاني والتبريكات خلال الأيام الأولى من العيد، وتسمى في محافظات أخرى "عواده" في حين تعرف في دول عربية بـ"العيدية"، وهي أحد أهم طقوس العيد.
وخلال السنوات الماضية بدأ الكثير من اليمنيين التخلي عن الالتزام بــ "العيدية" وهدايا العيد، تدريجيا كلما ساءت ظروفهم المادية بسبب الحرب الدائرة وارتفاع تكاليف المعيشة وتوقف المرتبات وتضاؤل فرص الحصول على العمل، والتي انعكست سلباً على الترابط الأسرى حيث أصبح بعضهم يمتنع عن زيارة أقاربه لذات السبب.
ويتم تقديم "عسب العيد" عند سلام الوداع قبل انصراف الزائر من المنزل بعد جلسة عائلية قصيرة، التي عادةً ما يُتناول فيها الكعك والمكسرات والزبيب والحلويات والعصائر، وأحيانا تستمر الجلسات لتشمل وجبة الغداء ومضغ القات بنفس المنزل، ويرافق الزائر في تلك الزيارة الأطفال دائماً.
ويعبّر دفع "عسب العيد" عن أن الرّجال مستعدون للوقوف مع أرحامهم عند الحاجة، وكان يتم استخدام تلك الهدايا المالية في العادة لشراء الاجتياحات التي لم تتمكّن النساء من شرائها مثل الأثاث والحُلي، بينما يستخدمها الأطفال لشراء الألعاب والحلويات، أما الآن فيتم استخدامها لشراء الاحتياجات الأساسية.
وقالت جميلة في حديثها لـ"المصدر اونلاين"، "لدي ثلاثة أخوة، كانت ظروفهم المادية ميسورة، ويقفون إلى جانبي دائما عند الحاجة، لكن مشروعهم الذي كانوا يعملون فيه أغلق بسبب الأوضاع والمضايقات، ومرتباتهم توقفت، وأصبح وضعهم المادي سيء، لذا تناقص مبلغ عسب العيد تدريجيا، إلى أن توقفوا عن الزيارة العيدية مؤخرا".
زيارات بدون عسب
يضطر بعض المواطنين لخيارات أخرى للحيلولة دون دفع "عسب العيد" والالتزام بصلة الرّحم، ومن أبرز تلك الخيارات، عدم دفع الطرفين لعسب العيد عند الزيارات المتبادلة، والزيارات خلال أيام العشر الأواخر من شهر رمضان.
يقول أحمد، ساخراً وهو يقود سيارته التاكسي في شارع الستين بالعاصمة صنعاء: "أنا عملت "هُدنة" مع أصهوري "أهل زوجته"، بحيث لا هم يدفعوا لزوجتي عسب العيد ولا أنا أدفع لعمّتي "والدة زوجته"، من أجل يكون باب الزيارات مفتوح بدون أي حرج بيننا، أما أختي فقد زرتها نهار 27 رمضان، لأنها زيارة غير مدفوعة وهي بديلة عن زيارة العيد".
"لم يعد للعيد نفس الفرحة التي كان يشعر بها المواطنين إلا عند الأطفال"، يقول أحمد الذي يتحدث لـ"المصدر أونلاين" وهو يدير محرّك السيارة نحو حي السّنينة: "الأطفال فقط هم من لا زالوا يشعرون بفرحة العيد، أما الكبار من النساء والرجال، فلا أسمع منهم إلا الشكاء والبكاء والاعتذارات، عندما يجرون اتصالاتهم أثناء ركوبهم معي بالتاكسي".
وعن مستوى طلب الناس لخدمة التوصيل بالتاكسي يضيف أحمد: "في كل عام تتراجع طلبات الناس على خدمة التوصيل أكثر وأكثر، ورغم ارتفاع أسعار البنزين وقطع غيار السيارات، إلا أن المواطنين لم يستوعبوا ذلك التغيير، ويفاوضوننا للوصول إلى أسعار ما قبل 2015، وكأن الأسعار لا تزال كما كانت".
وفي مؤشر على تردي المعيشة والظروف المادية السيئة التي يعيشها المواطنين، يقول أحمد "غالبية مشاوير الزيارات يطلب مني الانتظار بالتاكسي باب المنزل، من أجل تقليص أجور التوصيل، ورغبةُ في عدم تحميل أهاليهم تكلفة الضيافة والجلوس لفترة أطول".
ويضيف أحمد بصوت هادئ أقل حدة، بعد أن أطفأ السيارة: "الحرب أكلت الأخضر واليابس، أنا مثلا لم أستطيع زيارة قريتي ومسقط رأسي في محافظة ريمة منذ العام 2015 حتى الآن، كما أنها زادت من القطيعة بين الأهل والأصدقاء، وحرمت النّاس من اللمّات العائلية في العيد الذي كان يعتبر أيام للتّصافي والتسامح".
العيد والأطفال
وأثرت الحرب على كل تفاصيل الحياة بشكل عام في اليمن، ومنها طقوس استقبال العيد ومتطلباته الرئيسية التي من الصعوبة الحصول عليها لدى الكثير من الأسر، وتظهر الحسرة على وجوه الأطفال الذين يفشلون في العيد في الحصول على "العيدية".
يقول محمد الشاب العشريني لــ "المصدر أونلاين"، "قبل الحرب كنت مازلت طفلاً أحصل على العيدية، وكانت الحصيلة كبيرة، لكن الآن وجوه الأطفال والنقود اللي يحصلون عليها بالعيد تثير الشفقة لأن غالبية الناس اما تخلوا عن توزيع العيدية، أو يعطون أقل من المعتاد".
وأضاف: "كان غالبية الناس يستعدون للعيد بنقود جديدة بفئات مختلفة، ليقدموها للأطفال والنساء، الآن أسوأ أوراق نقدية في صنعاء نراها في العيد ممزقة وتالفة، وتفرض بالقوة من الصرافين عند استلام حوالات أو صرف عملات أجنبية".
وخلال الأيام الماضية قبل حلول عيد الفطر، أغرقت ميلشيا الحوثي في صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها، الأسواق بالأوراق النقدية التالفة من الفئات الصغيرة والكبيرة، ووزعتها على شركات الصرافة والبنوك، ويتم فرضها على المواطنين أثناء استلام حوالات أو صرف العملات الأجنبية، وهذا سلوك تمارسه الميلشيا سنويا بسبب مشكلة السيولة التي يعانون منها ومنعهم للفئات التي طبعتها الحكومة الشرعية.
ووفق تقارير أممية، فإن 23 مليون شخص أو نحو ثلاثة أرباع سكان اليمن يحتاجون إلى المساعدات خلال العام 2022، وهذا يمثل زيادة بنحو ثلاثة ملايين شخص عن عام 2021، ويواجه بالفعل ما يقرب من 13 مليون شخص مستويات الاحتياجات الحادة.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يحتاج 19 مليون شخص للمساعدات الإنسانية، خلال النصف الثاني من العام الجاري، وقالت "إن هذا رقم قياسي وصادم، وإن المجاعة الشديدة تتربص بـ 161 ألف منهم"، ويعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، من بينهم أكثر من نصف مليون طفل في مستويات حرجة.