2022-02-21 الساعة 12:32ص (يمن سكاي - )
في ١٥ يونيو ٢٠١٧، تداعت مجموعة من أمهات المختطفين اليمنيين إلى وقفة احتجاجية أمام مكتب مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بصنعاء؛ طالبن خلالها المفوّضية بالضغط على مليشيا الحوثي للسماح لهن بزيارة أبنائهن في سجون الحوثيين، محذّرات من أن حياتهم باتت في خطر بسبب ما يتعرّضون له من صنوف التعذيب والحرمان والتجويع الممنهج.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى ٢٧ ديسمبر ٢٠٢١، بلغ عدد الوقفات التي نفذتها أمهات المخفيين أمام مكتب المفوضية نحو 30 وقفة؛ حملت كل واحدة منها تطوراً خطيراً عن وضع المختطفين؛ أدناها التعذيب الوحشّي والحرمان من الطعام والشراب والدواء وأعلاها القتل تحت التعذيب.
ورغم هذه الوقفات والمناشدات والتوسّلات، طيلة تلك السنوات، إلا أن المفوّضية لم تصدر أي موقف يتعاطف مع الأمهات وينتصف لذويهن، وأصرّت على غض الطرف عن مأساة آلاف المختطفين والمخفيين قسراً في مئات السجون التابعة لمليشيا الحوثي والتي تفتقر لأدنى الخدمات.
ولم يقتصر موقف المفوّضية السلبي على ملف المختطفين؛ بل شمل كل ملف حقوق الإنسان اليمني، منذ تأسيس مكتبها داخل اليمن في مارس 2012، وارتبط وجودها وموظفيها بالمواقف والأنشطة المثيرة للجدل المستفزّة للشعب اليمني والمقوِّضة لمؤسسات الدولة اليمنية.
إرشادات أممية لتنظيف مسرح الجريمة
ويأتي نشاط المفوضية باليمن، عبر ثلاثة مستويات، فبالإضافة إلى قيادة المفوضية، يأتي النشاط الميداني لمكتبها في صنعاء، وما بينهما يأتي قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمفوّضية والذي يرأسه الأردني محمد النسور، وينحدر من عشيرة "النسور" التي تقول إن جذورها ترجع إلى "الأدارسة الهاشميين"..
ويتمثّل أبرز حدث لـ"النسور"، في قيادته وفداً أممياً لزيارة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية أواخر أكتوبر 2017، في أوّل زيارة لمسؤول بالمفوّضة منذ الانقلاب الحوثي.
واطّلع "المصدر أو نلاين" على وثائق تتناول مضمون اللقاءات التي عقدها النسور في صنعاء بعدد من القيادات الحوثية خلال زيارته التي استمرت خمسة أيام من (25- 29 أكتوبر).
تكشف الوثائق أن النسور، قدّم نصائح لقيادات الحوثي تحثّهم على الإسراع في طمس معالم الجرائم التي يرتكبونها بحق اليمنيين قبل قدوم لجنة الخبراء الأممية للتحقيق في حالة حقوق الإنسان باليمن.
وكان أوّل لقاء عقده النسور، بالقيادي الحوثي هشام شرف، الذي عينته المليشيا وزيراً لخارجيتها، أكد خلاله أهمّية اتخاذ "إجراءات تصحيحية قبل قدوم فريق الخبراء". مشدداً على ضرورة "معالجة بعض المآخذ الأخرى التي تؤخذ على حكومة الإنقاذ في صنعاء" في إشارة إلى سلطة مليشيا الحوثي غير المعترف بها دولياً والتي شكّلتها كغطاء لتمكينها من حكم اليمن والتفرّد بثرواته.
ومن أبرز هذه "المآخذ" التي ذكرها النسور، "تجنيد الأطفال، والتضييق على حرية الرأي والتعبير والاعتقال التعسفي".
وكرر النسور في اللقاء التأكيد على رغبته في أن تقوم المليشيا الحوثية بتنفيذ "المعالجات" التي نصحهم بالقيام بها "على وجه السرعة" قبل "تكوين لجنة الخبراء".
وكان مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السابق "زيد رعد الحسين"، قد أعلن بداية ديسمبر 2017، تعيين الأعضاء بفريق الخبراء البارزين الذي أنشأه مجلس حقوق الإنسان نهاية سبتمبر 2017. ويلزمهم القرار برصد حالة حقوق الإنسان في اليمن وإعداد تقارير بشأنها منذ سبتمبر 2014.
النسور والحوثي
ويبدو أن النسور، لم يطمئن لاستشعار القيادات الحوثية التي التقاها بأهمّية النصائح التي نقلها إليهم والإسراع بمعالجتها، إذ التقى بعدها، بأحد زعامات العائلة الحوثية يدعى قاسم الحوثي، ذكرته الوثائق بصفته رئيسًا لـ"دائرة السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني بمكتب رئاسة الجمهورية". وحضر اللقاء أشخاص آخرون ذُكروا في الوثائق بوصفهم "المختصين".
وتظهر الوثائق استرسال النسور، في الحديث مع المدعو قاسم الحوثي، حول طبيعة وتفاصيل لجنة الخبراء التي أُنشأها مجلس حقوق الإنسان في قراره الأخير بشأن اليمن. ومن ضمن التفاصيل، التي ذكرها أن المجلس "أوكل تعيين رئيس اللجنة وعضويتها- رئيس وعضوين- إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان وليس لمجلس حقوق الإنسان أي تدخل بذلك".
وأكد النسور، خلال اللقاء، أهمية تعاطي الحوثيين "بإيجابية مع لجنة الخبراء". موضحاً لهم أن هذا يظهر المليشيا الحوثية للعالم "بأنكم سلطة ولستم تنظيماً". محذّراً في الوقت ذاته، من أن عدم تعاطيها بـ"اهتمام" مع اللجنة "هو ما يعوّل عليه الطرف الآخر"، (في إشارة للحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها). مضيفاً أن من أسماه الطرف الآخر "يتمنى رفضكم".
واشتكى النسور، للحوثي، من أن المفوّضية السامية ومفوضها السامي وكادرها بما فيهم مكتبها بصنعاء "تأذّت كثيراً" من تصرفات الحوثيين. ورغم ذلك قال إن "المفوض السامي وكادر المفوضية مستمرين بغض النظر عن استهداف شخص المفوض أو غيره".
وتكشف الوثائق حرص النسور، على إقناع الحوثيين بالإسراع في القيام بمعالجات قبل وصول فريق الخبراء؛ حيث قال في نصائحه الأخيرة للحوثي: "أعود وأقول إن هناك فرصة للإخوان في صنعاء (يقصد الحوثيين) قبيل استقبال لجنة الخبراء، وأنصح بمعالجة الانتهاكات".
وأضاف: "صحيح قرارات صدرت إلا أنه لا بد من معالجة قضايا بجدّية مثل الاعتقالات خارج إطار القانون- تجنيد الأطفال وغيرها". مشيراً إلى أن "هذه القضايا ستكون ضمن أعمال لجنة الخبراء".
وأوضح النسور للحوثي أبرز القضايا والملفات التي ستتعاطى معها الأمم المتحدة مستقبلاً، وطريقتها في ترتيب الأولويات وسبب عدم تعاطيها مع بعض القضايا الملحّة. وقال إن "موضوع الأسرى جديد علينا، سنتعاطى معه مستقبلاً باهتمام بالغ، كما سنركز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي".
وأضاف: "ذلك لا يعني أننا غير مدركين لهذه القضايا والملفات، وإنما نحن ملتزمون في تقاريرنا بـ8500 كلمة الأمر الذي يحتم علينا إبراز القضايا الأكبر أهمّية".
وتعهّد النسور للحوثي، بأنه سيضغط على الحكومة الشرعية في مسألة رواتب الموظفين، وقال: "الرواتب وقطعها سنثيرها في لقاءاتنا بعدن".
الوثائق تفضح إعلام المليشيا
وخلافاً لما ذكرته وسائل الإعلام الحوثية في تغطيتها لهذه اللقاءات، ومنها ما أوردته وكالة سبأ الخاضعة لسيطرة المليشيا، بزعمها أن قاسم الحوثي، رحب في اللقاء "بأي لجنة تحقيق دولية... وتقديم التسهيلات لها بما يكفل نجاح مهامها"، فإن الوثائق تكشف أن القيادات الحوثية بما فيها قاسم الحوثي، لم تتقبل فكرة لجنة الخبراء، وتركّزت معظم اللقاءات، حول اللجنة وطبيعتها وخطرها.
ووفقاً لإحدى الوثائق، فإن القيادات الحوثية التي التقت بالنسور، خلال زيارته التاريخية إلى صنعاء، توصلت في النهاية إلى تشكيل لجنة من الجهات ذات العلاقة لدراسة الأمر على ضوء التعليمات التي قدّمها "الأخ محمد النسور" وبالأخص المستجدات المتصلة بـ"فريق الخبراء".
تاريخ من السلبية
وتعليقاً على مضمون هذه اللقاءات، قالت مصادر لها صلة بعمل المفوضية، إنها قد تفسّر جانباً من النهج الذي اتخذه ممثلو المفوّضية باليمن، طيلة السنوات الماضية، والذي يثير حالة استغراب لدى الشارع الحقوقي اليمني.
وأشارت إلى تزامن تأسيس المفوّضية لمكتبها بصنعاء ومن ثم تعيين جورج أبو الزلف، ممثلًا لها اليمن منتصف عام 2013، مع بداية حروب مليشيا الحوثي التوسّعية خارج صعدة؛ ومعها تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان إلى مستويات قياسية، ولم يصدر عن المفوّضية أي موقف تجاهها.
ووفقاً للمصادر فإن المفوضية التزمت الصمت تجاه تداعيات حرب مليشيا الحوثي على دمّاج بصعدة وحصارها لأكثر من 3 أشهر وتهجير 15 ألف شخص من سكّانها بداية 2014، ومن ثم حربها ضد قبائل حجور في حجة، وقبائل الجوف، وقبائل حاشد بعمران، وصولاً إلى حصارها للعاصمة صنعاء واجتياحها أواخر 2014، وانتهاءً بإعلان زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي التعبئة العامة لاجتياح المحافظات الجنوبية بداية مارس 2015، وفرض حصار مميت على مدينة تعز، وقالت إن تلك الأحداث ما تزال شواهد حيّة على تواطؤ شخصيات تعمل في المفوّضية الأممية وهيئتها الحقوقية وعلى رأسها حينها "أبو الزلف"، مضيفة إن الوظيفة الوحيدة التي أجادها أبو الزلف طيلة فترة عمله في اليمن هي الصمت، رغم ما شهدته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها ميليشيا، ولم يسجّل أي موقف يتوازى مع تلك الجرائم عدا بعض البيانات والتقارير المنحازة للميليشيا، وهي لا تختلف كثيراً عن مواقف المفوّضية بمختلف مستوياتها تجاه اليمن.
أداة بيد المجرمين
ورغم التاريخ السلبي للمفوّضية في اليمن، إلا أن حضور أبو الزلف، وطاقمه في صنعاء، كان الأشد استفزازاً لليمنيين.
ومن خلال بحث بسيط على منصات التواصل الاجتماعي، تجد سيلاً من المنشورات لنشطاء يمنيين يعددون تجاوزات أبو الزلف، وانحيازه لمليشيا الحوثي، سواء من خلال صمته وتغاضيه عن جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان أو من خلال توظيفه لعناصر حوثية كمنسقين وراصدين لمكتبه واعتماد معلوماتهم المضللة في تقارير المفوّضية أو من خلال إقامة فعاليات داعمة للمليشيا بمختلف المجالات. معتبرين تعامل المفوّضية مع المليشيا وتمويل فعالياتها الطائفية ومنحها صفات رسمية مخالفة للاتفاقيات والأعراف الدولية.
وقال الباحث اليمني، ثابت الأحمدي، في مقال نشره أواخر فبراير 2016، إن تعاملات وأنشطة جورج أبو الزلف، كانت "على الدوام" مع المليشيا الحوثية حتى حينما كانت الحكومة الشرعية ما تزال قائمة، رغم الانتهاكات التي تمارسها الجماعة. مضيفاً أنه منذ العام 2012م ثمة آلاف القضايا الإنسانية ارتكبتها المليشيا بحق الشعب اليمني، على الصعيد الفردي والجماعي، وأبو الزلف معرض عنها، ويصم أذنيه أمام أي نداء أو استغاثة.
وحينها، طالب النشطاء، ومنهم وزيرة حقوق الإنسان السابقة حورية مشهور، الأمم المتحدة بإعادة "النظر في ممثلها في اليمن جورج أبو الزلف الذي يبدو وفقاً لرأي عام واسع بأنه أصبح طرفاً وافتقد إلى المهنية في عمله"، في تغريدة بصفحتها على تويتر بتاريخ ٢١ فبراير ٢٠١٦.
وأجمعت آراء النشطاء والحقوقيين على أن أبو الزلف، لم يخرج عن الحياد والمهنية فقط؛ وإنما أيضًا يدعم ويجير عمل المفوضية، مستخدمًا سلطته الأممية وكونه مديرًا لمكتبها، ويجيرها لصالح مليشيا الحوثي.
احتجاج حكومي وضمانات أممية
في 7 يناير 2016، وجّهت الحكومة اليمنية خطابًا رسمياً لمكتب المفوض السامي بجنيف تبلغه بأن ممثله في اليمن (أبو الزلف)، افتقد المهنية والحيادية ولم يعد شخصًا مرغوباً به.
وأوضحت الحكومة أن قرارها جاء بعدما أدلى أبو الزلف بتصريحات "غير حيادية"، معتبرة أن عمله يتم بطريقة متناقضة مع المواثيق والأعراف الدولية. لكنها تراجعت عن قرارها بعد تلقّيها ضمانات من الأمين العام للأمم المتحدة- حينها- بان كي كون، بأن تعمل المفوضية وفق ما هو في حدودها وأن تلتزم بالمهنية والحياد.
وقالت وزارة حقوق الإنسان، إن البيانات التي أصدرتها المفوضية "تتماهى مع لغة الانقلابيين وتتجنب الوضع الكارثي وحالات الانتهاكات الممنهجة وجرائم الحرب الواضحة التي تقوم بها مليشيا الحوثي بحصارها لمدينة تعز وتعمدها قصف الأحياء السكنية وقتل المدنيين". مضيفة أن "تغاضي مكتب المفوضية عن كل تلك الجرائم غير مقبول"، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية سبأ.
استعانة بالمجرم
ورغم تعهد أمين عام الأمم المتحدة بعدم مخالفة موظفيها للأحكام والأعراف والقوانين الدولية إلا أن اليمنيين صدموا بوثائق موجهة من مكتب المفوّضية بصنعاء إلى مليشيا الحوثي تخاطبها فيها كسلطة رسمية وتطلب منها المشاركة في إعداد تقرير المفوضية عن حقوق الإنسان باليمن.
وتظهر الوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة في 7 يونيو 2016، مخاطبة أبو الزلف، للقيادي الحوثي محمد حجر، باعتباره قائمًا بأعمال وزارة الخارجية، طالباً منه المساعدة والمشاركة في جمع المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان بين يوليو 2015 و30 يونيو 2016، لاستخدامها في إعداد تقرير المفوض السامي الذي سيقدّمه إلى مجلس حقوق الإنسان حول الوضع الحقوقي في اليمن، متعهدًا له بالحفاظ على سرية المعلومات وهوية المصدر.
بداية جديدة مثيرة للجدل
وأواخر 2016، عيّنت المفوضية العبيد أحمد العبيد، سوداني الجنسية، ممثلاً جديداً لها في اليمن. وبدأ الأخير مشواره المهني بلقاء مثير للجدل جمعه في صنعاء بالقيادي الحوثي هشام شرف، في فبراير 2017.
وحينها، زعمت وسائل الإعلام الحوثية أن العبيد، قام خلال اللقاء بتقديم أوراق اعتماد لحكومة المليشيا غير المعترف بها دولياً.
وتحت الضغط والسخط الشعبي الذي أثاره هذا اللقاء، تقدّمت الحكومة الشرعية باحتجاج رسمي لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ما دفع الأخيرة للخروج بتوضيح لموقفها، مؤكدة بأنها لا تعترف إلا بالحكومة المعترف بها دولياً.
وجاء في توضيح المفوّضية أن اجتماع صنعاء لم يكن سوى "مجاملة ولم تقدم أوراق اعتماد خلاله إطلاقًا كونها سلطة غير شرعية".
بين المهنية والإرهاب والخذلان
ورغم أن العبيد، ظل يعمل في مكتب المفوضية في صنعاء منذ باشر عمله في اليمن (أكتوبر ٢٠١٦)، إلا أن مليشيا الحوثي أقدمت على طرده في يونيو ٢٠١٨، لخروجه قليلاً عن الروتين الذي تعوّدت عليه ممن سبقه من مسؤولي المفوّضية.
وكشف تقرير سابق لـ"المصدر أونلاين" أن طرد المليشيا له جاء بسبب إدانته لمقتل الناشطة الحقوقية ريهام البدر، بقذيفة حوثية في مدينة تعز. وحينها، أوضح العبيد، أن القذيفة التي قتلت البدر، وهي ناشطة عملت أيضًا في مشاريع المفوضية، جاءت من مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي أغضب المليشيا التي وصفته بأنه "إخواني" وقامت بطرده.
وأواخر سبتمبر 2019، عاد العبيد، إلى صنعاء بعد اتفاق الأمم المتحدة مع مليشيا الحوثي، غير أن الأخيرة منعت دخوله من المطار، وأجبرت طائرته على الإقلاع بعد دقائق من هبوطها، ليعود بعدها إلى العاصمة الأردنية عمّان، واستمر في عمله هناك حتى النهاية.
وفي10 يونيو 2020، أبلغت المفوضية العبيد، بأنها أنهت تعاقدها معه. ووفقاً لما نقله "المصدر أونلاين" عن مصدر أممي مطلع، فإن قرار المفوضية جاء تلبية لطلب المليشيا الحوثية، موضحاً أن المفوضية رضخت للضغوط الحوثية التي استمرّت لأشهر ضد العبيد.
وقبلها بيوم واحد، كانت مليشيا الحوثي قد اقتحمت مبنى الأمم المتحدة في صنعاء وأغلقت مقر المفوضية، تحت مبرر رفض منسق المفوضية التعاون معهم ومنحهم نسخاً من تقارير العاملين.
وزادت حدّة المطالبات الحوثية بتغيير العبيد، بعد أن أصدرت المفوضية بياناً أدانت فيه قصف سجن النساء بتعز، وكشفت فيه أن القذيفة وصلت من مناطق سيطرة الحوثيين بشكل واضح.
وقبلها صدر تقرير لفريق الخبراء المعني باليمن كشف عن جرائم جسيمة وانتهاكات ارتكبت بحق اليمنيين بما فيها العنف الجنسي ضد النساء في سجون مليشيا الحوثي. ومن حينها استمرت ضغوط الحوثيين على المفوضية للتخلي عن العبيد.
وبحسب مصدر مطلع على ملف القضية في الأمم المتحدة، تحدّث لـ"المصدر أونلاين" فإن الحوثيين أرسلوا رسائل اعتراض كثيرة للأمم المتحدة، متهمين العبيد، بالعمل مع العدوان وأنه لا يعرض عليهم تقارير حقوق الإنسان قبل نشرها، ولاحقاً هددوا بنشر فيديوهات له زعموا أنهم يمتلكونها. موضحاً أن التهديدات الحوثية طالته شخصيًا وأسرته واستمرت بالتدفق منذ ٢٠١٨.
وأضاف المصدر أن الأمم المتحدة تجاهلت التهديدات التي تلقّاها العبيد، ولم تصدر بياناً تساند فيه ممثل هيئتها الحقوقية أو توفر له الحماية اللازمة، قبل أن ترضخ لمطالب الحوثيين وتنهي عمله معها خوفًا من إغلاق مكتبها بصنعاء.
البقاء في الجحيم
وكانت الحكومة الشرعية، قد وجّهت عدّة دعوات للمفوضية لنقل مكتبها إلى العاصمة المؤقتة عدن، خصوصاً مع منع الحوثيين ممثلها العبيد، وموظفي المكتب من دخول صنعاء ومزاولة عملهم من هناك.
ورغم دعوات الحكومة وتأكيداتها بأنها ستوفر للمفوضية وموظفيها "بيئة آمنة" للعمل من عدن، إلا أن الأخيرة تجاهلت هذه الدعوات وأصرّت على البقاء في حمى المليشيا الحوثية رغم القيود التي تفرضها على عملها والانتهاكات التي يتعرّض لها موظفوها.
ووصفت وزارة حقوق الإنسان، في بيان، إصرار المفوضية على بقاء مكتبها في صنعاء بأنه "خطأ فادح". وقالت إنه "يسيء للعمل الإنساني والحقوقي ويؤثر على حياد ومهنية المنظمة".
وأشارت إلى أن مكتب المفوضية بصنعاء لم يستطع "زيارة المعتقلين والمخفيين قسرًا، ولَم يستطع الضغط على الحوثيين لإيقاف تعذيب المختطفين ووقف استخدام الأطفال في المواجهات المسلحة". موضحة أن أحد أسباب ذلك هو "أن المكتب يباشر أعماله من مناطق سيطرتهم".
انقسام داخل المفوّضية
مؤخّراً، عيّنت المفوّضية السامية الفرنسي "رينو ديتال"، ممثلاً جديداً لها في اليمن، إلا أن مليشيا الحوثي رفضت الاعتراف به ومنعت دخوله صنعاء.
وقال مصدر مطّلع، طلب عدم ذكر اسمه، إنه "منذ يناير 2021، والحوثيون يمنعون دخول ديتال إلى صنعاء". مضيفاً أنه "أمام ضغط الحوثيين وتنسيقهم مع النسور، عينت الأمم المتحدة موظفاً هنديًا بمكتبها في صنعاء يدعى "سفير الدين سيد"، كنائب لـ"ديتال"، والذي رحبت به المليشيا وسمحت بدخوله صنعاء على الفور.
وأضاف أن مليشيا الحوثية لم تعترف بـ"ديتال" ممثلاً للمفوضية حتى الآن، وتتعامل مع نائبه "سفير الدين"، باعتباره قائماً بأعمال ممثل المفوضية. وهي الصفة التي تعتمدها وسائل الإعلام الحوثية في تغطيتها لأنشطته ولقاءات قياداتها به.
ووفقاً للمصدر فإن "سفير الدين"، أظهر حماساً كبيراً لخدمة المليشيا الحوثية يكاد يتوازى مع نشاط أبو الزلف، وأبرزها زيارته الأخيرة إلى صعدة عقب حادثة قصف السجن، والتي أعقبها إصدار بيان من المفوضية حمّل فيه التحالف مسؤولية القصف، وهو ما نفاه الأخير داعياً المفوّضية إلى التثبّت من الحقيقة قبل إصدار الأحكام.
وحول "ديتال"، قال المصدر إنه يداوم حالياً في غرفة صغيرة بمكتب المبعوث الأممي بالأردن. وعن زيارته إلى مارب وتحركه الأخير إلى عدن، قال إنها كانت مجرّد محاولة لتوجيه رسالة للحوثيين بأنه سيقوم بعمله بأي طريقة لكنها لم تجد نفعاً، خصوصاً وأن "النسور"، في صف مليشيا الحوثي.
واستغرب المصدر، من أن المفوضية لم تسجل أي موقف تجاه منع الحوثيين دخول ممثلها إلى صنعاء منذ سنة ونصف، بل إنها تماهت مع مطالبهم وقامت بتعيين "السيد"، نائباً ليعمل لديهم بصنعاء، وبهذا تكون المليشيا قد نجحت في إحداث انقسام داخل المفوضية.
ولفت إلى أن الموقف ذاته سبق وأن انتهجته المفوضية، مع ممثلها السابق (العبيد) حينما هدده الحوثيون وضايقوه وصولاً إلى طرده ولم تحرّك المفوّضية ساكناً لحمايته، بل كافأته بإنهاء تعاقدها معه تلبية لرغبة المليشيا الحوثية، في سابقة لم تحدث في تاريخ الأمم المتحدة.
الحلقة الناظمة للعبث الأممي
ويعود السبب وراء جرأة المليشيا الحوثية وتصرفاتها تجاه الموظفين الأمميين، بحسب المصدر، إلى علاقتها العميقة بـ"النسور"، والذي دائماً ما يفتح قنوات مباشرة لتدفق ضغوط الحوثيين إلى قيادة الأمم المتحدة، ويساهم في استصدار قرارات أممية تلبّي رغباتهم.
ووصف المصدر "النسور"، بأنه الحلقة الأممية الناظمة للعبث المتواصل بالملف الحقوقي في اليمن، إذ يرتبط بعلاقات شخصية مع قيادات حوثية ويتواصل معها باستمرار ويسخر سلطته الأممية وعلاقاته ومقدرات الأمم المتحدة للتغطية على جرائم الميليشيا الحوثية.
وأكد أن النسور، يقف وراء البيانات التي تصدر عن المفوضية وعن كثير من المنظمات الدولية التي تربطه بها علاقات مباشرة أو غير مباشرة، والتي تدعم في مجملها مليشيا الحوثي. موضحاً أن هذه البيانات تتعمّد في طياتها تعبئة الخارج وتحريضه ضد المكونات المواجهة للحوثي من خلال الإشارة إليها بشكل مستمر.
وقال إن المفوضية إن لم تتجاهل الجرائم التي يرتكبها الحوثيون فهي تصدر بياناً يدين الجريمة ولا يشير إلى الحوثيين باعتبارهم المسؤولين عنها وهو ما يضع المتابع الأجنبي أمام احتمالات تقوده غالبًا إلى الاعتقاد بأن من ارتكبها الطرف الآخر، وعكس ذلك عندما يرتبط حدث بالطرف الآخر إذ سرعان ما تصدر المفوّضية بيانات شديدة اللهجة وتسمّي الجهة بدون أي تحقيق.
حضور لافت ومشاريع وهمية
وفي السنوات الأخيرة، أبدى "النسور"، نشاطاً ملحوظاً في اليمن، سواء من زيارته التاريخية إلى صنعاء أو من خلال زياراته إلى عدن أو اللقاءات مع مسؤولين يمنيين ونشطاء حقوقيين خارج اليمن، فضلاً عن تصريحاته المتحمّسة بشأن اليمن.
وفي 18 أبريل 2018، نشر موقع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان مقالاً بعنوان "رصد حقوق الإنسان في اليمن لإسماع صوت الضحايا"، وضمّ صورة لاثنين من موظفي المكتب، أحدهما مترجلاً من سيارته المصفّحة، ويدوّن شهادة مواطن أجلسه على ركام بجانب الطريق.
وضم المقال تصريحاً لـ"النسور"، قال فيه إن "عَمَلُ موظّفين من مثل مخلفي والمنيفي أساسيٌّ لتوثيق أحداث النزاع في اليمن ورفع التقارير ذات الصلة". مضيفاً أن "موظّفي الرصد من المواطنين هم ركيزة عملنا الميدانيّ، وفي مناطق النزاعات مثل اليمن. فهم يسافرون مستخدمين أدوات بسيطة- ويستخدمون الخليويّ، ويزورون المستشفيات والمدارس والمواقع التي استهدفتها الغارات الجويّة. كما يلعبون دورًا أساسيًّا على مستوى عملنا في اليمن وهم المحرّك الرئيس وراءه".
ويلاحظ في تصريح "النسُّور"، أنه لم يتطرّق بأي شكل من الأشكال إلى الجرائم والانتهاكات التي يتعرّض لها اليمنيون طيلة سبع سنوات على يد مليشيا الحوثي في مختلف المحافظات اليمنية.
ومقال آخر بتاريخ 5 سبتمبر 2017، تحدث عن إنجاز حققته المفوضية وصفه بـ"التحوّل"، وتمثّل في حجز "قاعات مؤتمرات صغيرة الحجم في كل من صنعاء وعدن" لعقد اجتماعات حضرها شباب من مختلف الأطياف اليمنية.
وأوضح المقال المعنون بـ"دعم المنظّمات غير الحكوميّة المعنيّة بحقوق الإنسان في اليمن يساعد على إحلال السلام وتحقيق قدر أكبر من التسامح"، أن هذا الإنجاز حققته إحدى المنظمات اليمنية غير الحكومية ترأسها "بهيّة السقاف"، بدعم من المفوضية. موضحاً أن هذه المنظّمة جمعتهم لتحقيق "هدف واحد" وهو أن "يتحدّث الشباب الواحد مع الآخر".
وأشار إلى أن هذه المؤسّسة ضمن ثلاث منظّمات غير حكوميّة حصلت على تمويل من مكتب الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان. لافتاً إلى أنه في وقت سابق من هذه السنة، قدّم المكتب، مساهمةً أوّليّة بقيمة 20,000 دولار إلى منظّمات غير حكوميّة مركزها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واختتم المقال، بتصريح للنسور، قال فيه إنّه "بفضل النجاح الذي حقّقته المنظّمات الثلاث غير الحكوميّة، سيستمرّ التمويل، مع إمكانيّة ارتفاع عدد المنظّمات غير الحكوميّة التي تستفيد منه".
وقد أثار هذا النشاط سخرية واسعة على منصات التواصل التي اعتبرته نوعاً من التدليس والتضليل وهدر أموال المانحين في غير ما خصصت له، مشيرين إلى أنه في حين يتم دعم منظمات لا أحد يسمع عنها في اليمن ولا تعرف مقراتها ورؤسائها لا تدعم المفوضية منظمات كثيرة غير حكومية تقوم بدور كبير في الدفاع عن حقوق الإنسان، ومنها على سبيل المثال "رابطة أمهات المختطفين".
تعصّب أعمى
وفي هذا السياق، تكشف الوثائق التي حصل عليها "المصدر أونلاين" عن حالة عداء متأصّلة لدى النسور، تجاه اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إذ قال في لقائه مع الحوثي، إن المفوضية السامية ومكتبها بصنعاء "لا تعتقد أن اللجنة الوطنية محايدة لأنها مشكّلة من طرف واحد الأمر الذي يؤكد بأنها غير نزيهة وأنها ممولة من السعودية وأن تشكيلها لا يشمل الجميع". وهو رأي يتطابق مع موقف الحوثيين من اللجنة، رغم أن إنشاءها جاء قبل انقلابهم على الحكومة الشرعية.
ويتناقض ما قاله النسور، مع المواقف الأممية المعلنة والداعمة للجنة الوطنية، ومنها تعهّد مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد الحسين في أغسطس 2016، الذي أكد أن المفوضية "ستستمر في تعزيز الدعم المقدم للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان". مشيراً حينها، إلى أن المفوّضية "عازمة على لقاء اللجنة نهاية ذلك الشهر في أثيوبيا بغية رفع قدراتها في المجالات الفنية والتقنية".
وموضوع اللجنة، كان أحد محاور لقاءات النسور، بالقيادات الحوثية في صنعاء، إذ قال إن "قرار مجلس حقوق الإنسان الأخير دعا المفوضية السامية بأن تستمر في دعم اللجنة الوطنية".
وأوضح في حديثه لقاسم الحوثي، إن الدعم "يتمثّل في كيفية الرصد والتوثيق (عبارة عن ورش عمل)". وهو ما يشير إلى تعرّض قرارات مجلس حقوق الإنسان بشأن اليمن للتحوير والتحويل بما يخدم مليشيا الحوثي من قبل المسؤولين في المفوّضية وعلى رأسهم النسور.
وبالإضافة إلى ما يثبته الواقع والوثائق والمواقف المعلنة للمفوضية ومكتبها، فإن المصادر ترجح أن النسور، يقدم إسناداً خفياً لمليشيا الحوثي في الأمم المتحدة، وأنه يقف وراء تعطيل مكتب المفوضية في اليمن، ويتهم بإعاقة عمل اللجنة الوطنية.