2021-07-18 الساعة 05:39م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
خلال الأسبوعين الماضيين أصدر محافظ عدن أحمد لملس قرارين تضمنا تعيين مديرين جديدين للمؤسسة الاقتصادية اليمنية وشركة النفط اليمنية وهو ما دفع موظفي المؤسستين الحكوميتين المستقلتين ماليا وأداريا إلى رفض القرار وتعليق العمل وبدء احتجاجات.
والمديران السابقان عُينا بقرارين من الرئيس عبدر به منصور هادي وهو ما يعني بطلان القرار الذي أصدره محافظ العاصمة المؤقتو للبلاد من الناحية القانونية لكن لملس وهو قيادي بارز في المجلس الانتقالي الجنوبي لم يتراجع عن القرارين.
وأصدر رئيس مجلس الوزراء هذا الأسبوع قراراً يلغي القرار الذي أصدره محافظ عدن، لكن توقيت إصدار هذه القرارات يعيد التذكير ببدء صراع صلاحيات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة ويسعى إلى التمكين الإداري في هذه المؤسسات.
أصدرت مدير عام شركة النفط بعدن انتصار العراشة أواخر الأسبوع الماضي سلسلة توجيهات هي الأولى لها بعد قرار إقالتها من محافظ عدن أحمد لملس وتعيين صالح الجريري بديلًا لها وتأتي توجيهات العراشة غداة صدور قرار من رئيس الحكومة معين عبد الملك، وكان إلغاء قرار لملس والإبقاء على العراشة التي عينت في منصبها بقرار جمهوري أصدره الرئيس عبدربه منصور هادي.
وتضمنت توجيهات العراشة التي وجهتها إلى نواب الشركة ومدراء الإدارات بعدم التعامل مع أي توجيهات تصدر من جهة غيرها إضافة إلى عدم إعتماد أي قرارات من هذا النوع في إشارة، على مايبدو، إلى المدير الجديد صالح الجريري المعين بقرار من محافظ عدن أحمد حامد لملس.
وتضمنت توجيهات العراشة عدم إجراء أي اتفاقيات أو عقود، إلى جانب توريد كافة المبالغ المالية إلى حساب الشركة في البنك المركزي اليمني، ووقف الصرف المالي والعيني على حد سواء، فيما حددت العراشة في مذكرة التوجيه استمرار صرف مستحقات موظفي الشركة وفق اللوائح المتعارف عليها.
وحملت العراشة محافظ عدن المسؤولية الكاملة عن أي تجاوزات أو خطوات من شأنها الإضرار بالمال العام وحقوق الشركة، وجددت في الأثناء مطالبتها بتنفيذ التوجيهات التي أصدرتها.
لكن صالح الجريري المعين مديراً لشركة النفط اليمنية من قبل محافظ عدن عقد اجتماعًا بالفعل في مبنى الشركة الذي يقع في مديرية المعلا بعد قرار رئيس الوزراء وهو ما يشير إلى انتقال ملف تضارب الصلاحيات إلى صراع إداري بين معسكر الحكومة الشرعية الذي يمثله المدير المعين من الرئيس هادي من جهة ومعسكر السلطة المحلية والمجلس الانتقالي الذي يمثله صالح الجريري.
وفي ردها على قرار لملس بتعيين مدير عام للشركة خلفاً للمدير المعين من الرئيس عبدربه منصور هادي نفذ موظفون وعمال شركة النفط اليمنية وقفة احتجاجية في مبنى الشركة في مديرية المعلا رفضًا للقرار، وأشار الموظفون إلى أنهم سيلجأون للتصعيد فيما إذا تجاهل المحافظ مطالبهم.
وفي وقت سابق قالت نقابة الموظفين إنها ستقدم على خطوات وصفتها بالمتقدمة فيما إذا لم يلغَ قرار تعيين الجريري المخالف للقانون حد وصفهم.
وليس ببعيد وصل الصراع الإداري إلى أبواب المؤسسة الاقتصادية اليمنية في مدينة عدن، إذ أصدر محافظ عدن قرارًا بتعيين مدير لفرع المؤسسة الاقتصادية في العاصمة المؤقتة للبلاد، لكن القرار قوبل بالرفض من مدير عام المؤسسة الذي أعلن تعليق العمل في مكتب المؤسسة الاقتصادية بعدن.
لكن قوات تابعة للمنطقة العسكرية الرابعة اقتحمت فرع المؤسسة في عدن غداة رفض القيادة العامة للمؤسسة القرار الذي أصدره محافظ العاصمة المؤقتة للبلاد بتعيين مدير جديد لفرع المؤسسة، وتقول الأخيرة إن قرار لملس يعد تجاوزا لصلاحيات إدارة المؤسسة التي يخول لها فقط إصدار مثل هذه القرارات.
وفي منتصف يونيو اقتحمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي مبنى وكالة الانباء الرسمية "سبأ" وأجبرت الموظفين على مغادرة المبنى الحكومي قبل أن تصدر قرارا تضمن تغيير اسم جديد للوكالة والدفع بقيادة جديدة.
وبشكل أوسع تمثل هذه القرارات المتبادلة بين طرفي الأزمة الإدارية صراعاً جديداً بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لكن هذه الجولة من الصراع تدور حول التنافس بين الطرفين على المؤسسات الحكومية في عدن والسيطرة عليها بغية التحكم بمسار عملها ومجالات التعيين فيها إلى جانب فرض السيطرة على إيرادتها.
تؤيد الحكومة المعترف بها دوليا الإبقاء على انتصار العراشة مدير شركة النفط التي عينت بقرار جمهوري من الرئيس هادي مطلع العام 2018، فيما تقف الحكومة في الأثناء إلى جانب قيادة المؤسسة الاقتصادية ووزارة الإعلام فيما يخص التجاوزات الصادرة عن السلطة المحلية والقوات الأمنية على خلفية فرض مدير فرع للأولى واقتحام مبنى وكالة الأنباء الحكومية.
وتدرك الحكومة الشرعية أن سيطرتها على المؤسسات الحكومية التابعة لها تواجه تحديًا جديدًا مع قرارات التعيين التي أصدرها محافظ عدن في شركة النفط والمؤسسة الاقتصادية ووزارة الاعلام، وإذ لا تملك هذه القرارات بعداً قانونياً لكن الحكومة تعلم أن السلطة المحلية التابعة للمجلس الانتقالي تستغل تبعية القوى الأمنية لها لفرض هذه التعيينات.
وحتى الآن فإن الجانب الحكومي يعتمد في مواجهته على الأداة القانونية التي تلغي أي قرارات صادرة من قبل محافظ عدن على المدى البعيد، إلى جانب رغبته في تنفيذ اتفاق الرياض الذي يعول عليه في تصحيح الوضع العسكري والأمني الذي أوجد الأرضية لحدوث هذه الإختلالات في المرافق الحكومية من قبل سلطات الأمر الواقع.
ويعني انتقال السيطرة على المؤسسات الرسمية من الحكومة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي فقدان الأولى آخر أوراقها السياسة والاقتصادية في مدينة عدن وهو الأمر الذي سينعكس على اداء الحكومة فيما يخص الملف الاقتصادي والإداري فيما سيؤدي هذا إلى إضعاف الحضور الحكومي في أي جولة مشاورات مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
والسيطرة على شركة النفط والمضي نحو السيطرة على المؤسسة الإقتصادية رغم عدم استنادهما على أي عامل قانوني، لكنها ستفقد الحكومة التحكم بالمؤسسات الإيرادية في العاصمة المؤقتة للبلاد وستقلّص أي دور مستقبلي لها في تصريف الأموال التي تدرها هذه المؤسسات وهو ما سيخلق مشاكل مالية للحكومة وللموظفين التابعين لهذه المؤسسات.
ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي من وراء تحركاته الأخيرة في شركة النفط إلى البدء في تغيير المنظومة الإدارية التابعة للحكومة من الشركة على خطوات متقطعة مقابل الدفع بقيادات وموظفين موالين للمجلس ضمن إستراتيجة طويلة المدى لإحكام السيطرة على شركة النفط إداريًا.
ومن ناحية أخرى يريد الأخير ضمان مصادر دخل مالية بديلة في ظل تراجع الدعم المالي المقدم من الإمارات، والإستفادة من الإيرادات التي تدرّهما شركة النفط والمؤسسة الإقتصادية اليمنية وتخصيص جزء من هذه الأموال لمصاريف دوائر المجلس ولصرف مرتبات القوات التابعة له بغية استمرار سيطرته على المدينة.
ويهدف المجلس الانتقالي من وراء تحركاته في شركة النفط إلى التحكم بملف المشتقات النفطية، فيما قالت مصادر في شركة النفط لـ"المصدر أونلاين" إن لملس بدعم من المجلس الانتقالي يسعى إلى نقل نموذج التحرك في شركة النفط إلى شركة مصافي عدن بغية السيطرة على الأخيرة.
وفي الملف الإعلامي، بعد مرور عامين من فرض المجلس الانتقالي السيطرة على مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر وهي الصحيفة الرسمية الأولى في محافظات جنوبي البلاد، عززت السلطة المحلية في عدن عبر المحافظ لملس سيطرتها على مبنى وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" وصحف أخرى رسمية.
وإذا كانت السلطة المحلية هي من تتحرك في هذا الإطار بواسطة المحافظ لملس وهو أحد قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي فإن الأخير هو من يقف خلف هذه الخطوات، إذ يسعى إلى التحكم بالسياق التحريري للخطاب الإعلامي في المحافظات الخاضعة لسيطرته خشية من أن يؤثر خطاب هذه المؤسسات الحكومية على أنصاره والمجتمع المحلي.
ويريد المجلس الانتقالي الجنوبي توحيد الخطاب الإعلامي المؤسسي لصالحه واستثمار سيطرته على وسائل الإعلام الرسمية في تحرك يحاول من خلاله نقل رؤيته السياسية في قالب جدي ومؤسسي بهدف التأثير على السكان المحليين في محافظات عدن والمدن المجاورة لها عبر إعادة إحياء الأرث السياسي لبقايا الجمهورية السابقة في جنوب اليمن من نافذة الإعلام الرسمي.