2021-05-29 الساعة 09:15م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
منذ مطلع الأسبوع الجاري خرج المئات من السكان المحليين في احتجاجات تطالب بتحسين الخدمات في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، التي تشهد ترديًا في ملفات الخدمات، إذ تتصاعد ساعات انقطاع الكهرباء في المدينة الساحلية الحارة فيما يجد الأهالي صعوبة كبيرة في الحصول على المياه.
ولا يتوقف الأمر عند تردي خدمات الكهرباء والمياه، إذ تشهد المدينة تراجعاً كبيراً في وظائف المكاتب التنفيذية والخدمية في ملفات النظافة، ومياه الصرف الصحي وخلال الستة الأعوام الأخيرة برزت بشكل لافت مشاكل طفح مياه المجاري وتكدس أكوام القمامة في مراكز الأسواق والاحياء السكنية وهو ما أثار قلق الأهالي من تفشي الأمراض والاوبئة.
ورفع المحتجون مطالب بينها تحسين خدمة التيار الكهربائي في المدينة التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة عبر انتظام دعم محطات التوليد بالوقود، وتوفير المياه وإعادة تفقد حقول الضخ في المحافظة، إلى جانب العمل على ضبط الاوضاع الإقتصادية واستقرار العملة المحلية.
وأدى انهيار العملة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية وهو ما تسبب بأزمات مضاعفة في ظل عدم انتظام صرف مرتبات منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية.
ويحمل المحتجون الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يشارك فيها، المسؤولية عن انهيار الأوضاع الاقتصادية والخدمية في المدن الجنوبية المحررة الخاضعة لسيطرتهما، لكن المحتجين يقولون إن التحالف يتحمل جزءً من المسؤولية.
وتوحد المئات من المحتجين في المدينة الجنوبية للمرة الأولى ضد الأطراف الثلاثة الفاعلة في المحافظات المحررة "الحكومة الشرعية، المجلس الانتقالي، التحالف" بعد أن كانت المدينة قد شهدت احتجاجات مزدوجة لصالح الأطراف ذاتها في فترات سابقة، وفي الصورة الثانية تعيد هذه الاحتجاجات الانقسام بين هذه الأطراف.
ولم يصدر عن الحكومة والمجلس الانتقالي أي بيانات أو رسائل رسمية تنتقد تجمعات المحتجين، لكنهما يتابعان بالفعل بحذر نتائجها مع محاولة كلٍّ منهما استثمار هذه المطالب لتكثيف الضغط على الطرف الآخر وإلقاء المسؤولية عليه.
ويقول الانتقالي إن الحكومة تتحمل مسؤولية تردي الخدمات وانهيار العملة المحلية مع سيطرتها على البنك المركزي اليمني والميزانية العامة إلى جانب إدارتها لملف الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه في المدن المحررة.
وفي واقع الأمر فإن المحتجين ينظرون للانتقالي على أنه بات جزءً من الحكومة التي يتهمها بالفشل والتي تشكلت في ديسمبر الفائت بمشاركته، فضلاً عن ان قيادة المحافظة هي بيده وهو، بكل الاحوال، في نظر المحتجين مشارك في المسؤولية عن تردي الأوضاع المعيشية والخدمية في عدن.
ويرفض المتحجون تسييس هذه الإحتجاجات المشروعة لصالح أيٍّ من الأطراف السياسية.
ومن الواضح أن الحكومة الشرعية المدعومة من المملكة العربية السعودية ليس لديها ما تخسره في محافظة عدن إذ لا يتجاوز حضورها السياسي مربع منطقة القصر الرئاسي "معاشيق" في المدينة القديمة كريتر، فيما لاتملك أي حضور عسكري أو أمني في موازاة السيطرة المطلقة للمجلس الانتقالي على المدينة.
والجميع الآن يراقب هذه الاحتجاجات التي من الممكن أن يترتب عليها متغيرات فيما يخص استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، وعودة الحكومة وطبيعة العلاقة في الوقت القادم مع التحالف العربي.
وتسود مخاوف لدى الانتقالي من أن تتسبب هذه الاحتجاجات في عدن التي يحكم سيطرته عليها منذ أغسطس 2018 في فقدانه السيطرة على الشارع في المدينة الساحلية.
ومن المرجح أن تتدخل السعودية مجدداً لإعادة الحكومة وتمكينها من أداء مهامها بشكل أكبر والضغط باتجاه تنفيذ اتفاق الرياض الذي يتضمن تسليم الانتقالي الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وخروج القوات التابعة له من المدينة وإعادة دمج وترتيب القوات الأمنية في عدن.
وأحد مخاوف المجلس الذي تدعمه الإمارات منذ تأسيسه في الـ27 من إبريل العام 2017 هو أن تتمدد هذه الاحتجاجات صوب مناطق سيطرته في محافظات لحج والضالع وزنجبار عاصمة محافظة أبين، ما سيسفر عن زيادة الضغط على حضوره وإرباكه في مواجهة الحكومة الشرعية التي يتواجد فيها بأربع حقائب وزراية.
وقبيل ساعات من بدء الإحتجاجات الجمعة الماضية اقتحمت قوات المجلس الانتقالي الشارع الرئيسي في مديرية المعلا بالقرب من ميناء عدن الشهير وانتشرت في الشارع الذي يخترق قلب المدينة الواقعة وسط عدن قبل أن ينقل المحتجون موقع التظاهرة إلى أمام مقر التحالف في مديرية البريقة.
ويشير منع القوات التابعة للانتقالي المحتجين من إقامة تظاهرة في المعلا إلى مساعي المجلس لإبعاد الإحتجاجات من مناطق نفوذه الرئيسية في مديرية التواهي حيث يوجد مبنى المجلس ومواقع أمنية ومنازل مسؤولين وقادة عسكريين تابعين له.
ومثل نقل التظاهرة إلى أمام مقر التحالف من قبل المحتجين خدمة للانتقالي إذ تمكن في الحد الأدنى من إبعاد الاحتجاجات عن مواقعه، إضافة إلى إيصال رسائل على أنه لا يتحمل مسؤولية فشل الخدمات في عدن.
يقول الصحفي والمحلل السياسي صلاح السقلدي لـ"المصدر أونلاين" إن المجلس الانتقالي الجنوبي يعتقد أن الاحتجاجات الأخيرة في عدن وبعض المحافظات الأخرى تستهدفه أكثر من كونها تظاهرات مطلبية، وأنها أتت بإيعاز من الحكومة لعناصرها لإسقاطه وارباك وضعه.
ويضيف السقلدي أن علاقة المجلس الانتقالي الجنوبي مع الحكومة ألقت بظلالها القاتمة على علاقة المجلس بالسعودية، فالمجلس وفقاً لقناعة معظم قياداته يرى بأن السعودية شريكة بمأساة الخدمات وتتخذ منها ورقة ضغط سياسية بوجهه كما تفعل معه الحكومة تماما.
ويردف السقلدي "السعودية وفق المجلس الانتقالي تتماهى مع الحكومة في تعطيل الخدمات وتجميد اتفاق الرياض ومسخ جوهره السياسي، إن لم نقل أصلاً أن المملكة هي من يدفع بالحكومة إلى اتخاذ هذا النهج تجاهه وتجاه الجنوب وقضيته السياسية الوطنية".
ويقول السقلدي إن ما ضاعف هذا الاعتقاد من جانب الانتقالي تجاه السعودية "هو زيارة الحكومة مؤخرًا بمعية السفير السعودي إلى المكلا وليس إلى عدن، ودون إشراك الانتقالي بذلك، كما لم يتم وضعه بالصورة على أقل تقدير، وهو ما اعتبره الإنتقالي تهميشًا وتجاوزًا لشراكته بالحكومة".
بعد مضي عام ونصف من توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر 2019 (تأخر تشكيل الحكومة قبل أن يعلن عنها في ديسمبر العام الماضي) لم ينفذ الملحقين العسكري والأمني للإتفاق الذي تشرف عليه المملكة العربية السعودية حتى الآن.
وأحدثت السعودية اختراقاً في أواخر العام الماضي، إذ مارست ضغوطها لتشكيل حكومة المناصفة التي ضمت للمرة الأولى المجلس الانتقالي الجنوبي فيما نجحت اللجنة العسكرية المشرفة على الشق العسكري من الإتفاق في تدشين عمليات انسحاب متبادلة من خطوط التماس في محافظة أبين مسرح الصراع العسكري بين الطرفين منذ أكتوبر 2019.
وانسحبت بالفعل وحدات من لواء الدفاع الساحلي واللواء الثالث حماية رئاسية واللواء 115 مشاه التابع للحكومة إلى مديرية لودر فيما انسحبت بالتزامن قوات من ألوية الصاعقة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى محافظتي لحج والضالع، لكن عمليات الانسحاب توقفت لاحقًا بشكل عام.
وجرت عمليات انسحاب متبادلة أخرى لكن الممكن توصيفها بعمليات تراجع إلى الوراء من جهتي منطقة الصراع، إذ تراجعت وحدات من القوات الحكومية إلى قرن الكلاسي قاعدة القوات الحكومية قرب مدينة شقرة الساحلية، فيما تراجعت قوات من المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أستاد الوحدة الدولي بزنجبار عند الطريق الدائري المؤدي إلى عدن.
لكن بنود ترتيب القوات الأمنية وإعادة انتشارها في محافظة أبين، إضافة إلى ترتيب وضم الفصائل المسلحة في عدن لوزارتي الدفاع والداخلية وخروج القوات من المدينة وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ودخول اللواء الأول حماية رئاسية إلى القصر الرئاسي في عدن تعثرت حتى الآن.
وتتبادل الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الإتهامات بشأن وقوف الطرف الآخر خلف تعثر إستكمال تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض.
وفي ديسمبر من العام الماضي فشلت عملية دخول قوات الأمن العام والخاص والشرطة العسكرية إلى مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين بعد إشتراط المجلس الانتقالي الجنوبي، خلافاً لما نص عليه الشق العسكري من اتفاق الرياض، دخول قوات النخبة الشبوانية التابعة له إلى محافظة شبوة وهو ما أدى إلى تعثر دخول قوات اللواء الأول حماية رئاسية إلى عدن.
وتسعى المملكة العربية السعودية إلى إعادة إحياء الاتفاق المتعثر للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية التابعة لها عبر وقف الصراع الداخلي بين الحكومة والمجلس الانتقالي من أجل التركيز على ملف مواجهة الحوثيين الذين يشنون هجمات متواصلة ضد القوات الحكومية في أكثر من جبهة، إضافة إلى أن الرياض تعي أنه من المهم توحيد وفد حلفائها قبيل أي عملية محادثات مع الحوثيين.
وترغب السعودية في استكمال تنفيذ الشق العسكري والأمني لإتفاق الرياض في مسعى إلى تحسين الوضع والتخلص من الحرج في ظل تردي الخدمات واستمرار هبوط سعر العملة المحلية في المدن المحررة مع غياب الحكومة خارج مقرها الرئيسي، عبر دعوتها الأخيرة طرفي الإتفاق إلى جولة محادثات جديدة.
وبالمقابل يقول السقلدي إن المجلس الإنتقالي الجنوبي يرى أيضًا في الموقف السعودي تجاه تنفيذ اتفاق الرياض موقف متراخٍ مقابل مايراه المجلس بأنها مماطلة وتسويف من طرف الحكومة الشرعية فيما يخص استمكال بنود الاتفاق وبالذات الشقين السياسي والاقتصادي.
وبحسب السقلدي فإن المجلس الإنتقالي الجنوبي يرى بأن الحكومة تنصلت وتحاول التسويف بشأن قرارات التعيينات المتفق عليها في مناصب محافظي المحافظات الجنوبية ومدراء الأمن وغيرها من المناصب في باقي المواقع طبقًا لاتفاق الرياض، فيما لم يتم الإلتفات للملحق الاقتصادي الذي بدا مجمداً تمامًا.
وقال الصحفي والمحلل السياسي صلاح السقلدي إن من بين المآخذ التي ينظر إليها المجلس الانتقالي الجنوبي ما وصفها باستمرار الحكومة في حربها الخدمية والمعيشية التي تفتك بالسكان في عدن، نتيجة ما قال إنها حرب اقتصادية ومعيشية لمآرب سياسية.
وكانت الرياض قد تراجعت عن الإهتمام بملف الصراع جنوبي البلاد مع تركيزها على الصراع مع الحوثيين وعملية السلام وهو ما أدى إلى تعليق نشاطها العسكري والسياسي في الجنوب خلال الفترة الماضية بخلاف ما كان عليه الوضع بعد التوقيع على الإتفاق وبعد عودة الحكومة.
والآن تعمل السعودية على حلحلة الأزمة لكنها تواجه نزاعاً حول الضمانات التي سيلتزم بها كل طرف تجاه الطرف الآخر مع انعدام عامل الثقة بين الطرفين الموقعين على الإتفاق، خصوصا في ملف دمج القوات الأمنية التابعة للطرفين إلى أبين وشبوة وتسليم الأسلحة وسحب القوات وإعادة تنظيم الفصائل المسلحة وضمها في وزارتي الدفاع والداخلية.