2020-09-02 الساعة 12:26ص (يمن سكاي )
أعلنت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، رفضها مبادرة الحكومة اليمنية الشرعية الرامية لتسهيل تدفق الوقود إلى موانئ الحديدة، متهمة مبعوث الأمم المتحدة لليمن، بخلط الملفات وإيقاف آلية إدخال السفن بصورة غير مبررة، ما أسهم في مضاعفة المعاناة الإنسانية وزاد من تعقيد الوضع الحالي، والمعقد أصلاً بسبب ملف سفينة "صافر" المتعثر، ومخطر انفجارها في أي لحظة.
جاء ذلك، في بيانات وتصريحات منفصلة، صادرة عن شركة النفط ووزارة الخارجية وقيادات فيما تسمى بـ"حكومة الإنقاذ" التابعة للحوثيين في صنعاء.
وقال بيان لشركة النفط الحوثية اليوم الثلاثاء، إن المبعوث " أوقف بصورة غير مبررة آلية إدخال السفن.. ويتعمد التقليل من حجم التداعيات الكارثية.. مع استمراره في خلط الملفات وإغفال بعض الأولويات والعمل بانتقائية تهدف إلى تغطية الفشل الأممي والتنصل عن المسؤوليات الدولية والإنسانية المنصوص عليها في اتفاق السويد".
وأعلنت الشركة نفاد مخزونها من الوقود في منشأة الحديدة بشكل كامل، جراء احتجاز الحكومة والتحالف للسفن، وأضافت في البيان "أن متوسط فترات احتجاز السفن قبل تطبيق آلية مكتب المبعوث الأممي 12 يوماً مقابل 33 يوماً متوسط فترات الاحتجاز خلال فترة الترتيبات المؤقتة و103 أيام بعد تعليق الترتيبات المؤقتة".
واعتبر البيان "أن آلية مكتب المبعوث كانت مجرد أداة للإمعان في تشديد الحصار على 26 مليون مواطن يمني وتعرض حياتهم لمخاطر جمة بغية تحقيق أهداف سياسية وتمويلية".
واتهم المتحدث باسم شركة النفط التابعة للحوثيين، "عصام المتوكل"، مارتن غريفيث " بأنه بات جزءً من المشكلة في اليمن"، مضيفاً في تصريح نشرته قناة المسيرة مساء الثلاثاء "أنه (أي المبعوث الأممي) أصبح ناطقًا باسم الطرف الآخر".
وتعصف أزمة وقود خانقة، منذ يونيو/حزيران، بسكان صنعاء ومناطق شمال وغرب اليمن، إثر انقلاب سلطة الأمر الواقع هناك، على الاتفاق "الآلية الموقتة" التي توافق عليها الحوثيون والحكومة في اجتماعات رعاها مكتب غريفيث في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بعمان.
وتلك الآلية، هي "اتفاق حول مجموعة من الترتيبات المؤقتة تكفل استمرار التدفق المنتظم للواردات التجارية للوقود إلى اليمن عبر ميناء الحديدة وتخصيص إيراداتها المجمعة في حساب خاص بالحديدة، لسداد رواتب موظفي القطاع العام" وذلك كامتداد لاتفاق ستوكهولم المبرم بين طرفي الصراع في السويد في ديسمبر/كانون الأول 2018.
ومطلع الأسبوع، أعرب المبعوث الأممي، عن قلقه الشديد إزاء النقص الكبير للمشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين، فيما جددت الحكومة اليمنية تأكيدها على تسهيل وصول الوقود عبر ميناء الحديدة، مشيرة إلى ما قالت إنها "مبادرة جديدة لاستئناف إدخال المشتقات النفطية من ميناء الحديدة وذلك لمنع حدوث أي أزمة".
وقال مارتن غريفيث، في البيان يوم الأحد، "إن لنقص الوقود آثاراً كارثية إنسانية واسعة الانتشار على المدنيين. إن الحياة في اليمن قاسية بما يكفي دون إجبار اليمنيين على المزيد من المعاناة من أجل الحصول على احتياجاتهم اليومية الأساسية المرتبطة بالوقود كالماء النظيف والكهرباء والمواصلات".
ودعا غريفيث الحكومة اليمنية والحوثيين إلى الانخراط مع مكتبه بشكل عاجل "للوصول لحل يضمن قدرة اليمنيين على الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الوقود والمشتقات النفطية واستخدام الإيرادات المرتبطة بذلك في سداد رواتب موظفي القطاع العام".
وذّكر المبعوث الأممي في بيانه بمنح الحكومة اليمنية "تصاريح الدخول لعدد من سفن الوقود إلى الحديدة منذ تعليق الترتيبات المؤقتة"، وقال "ومع أنَّ تلك خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن هناك حاجة للمزيد من الإجراءات لتلبية حاجات السكان و لضمان تسهيل وصولهم للوقود".
وأكد غريفيث أنه واصل جهوده مع طرفي الصرع ، وسعى "عدة مرات إلى دعوة الطرفين للاجتماع ومناقشة آلية لصرف رواتب موظفي القطاع العام من إيرادات سفن المشتقات النفطية عبر موانئ الحديدة، ومع ذلك. يأسف مكتب المبعوث الخاص، لأنَّ هذا الاجتماع لم يُعقَد بعد"، مجدداً "دعوته للأطراف لعقد هذا الاجتماع في أقرب وقت ممكن".
وفي ردها على دعوة غريفيث، أكدت الحكومة اليمنية حرصها على تسهيل وصول المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة "على الرغم من قيام مليشيات الحوثي الإنقلابية بخرق الآلية المتفق عليها سابقا مع مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن".
وقالت في بيان صادر عن وزارة الخارجية نشرته وكالة سبأ الحكومية، "إن الحكومة وعلى الرغم من خروقات الحوثيين ونهبها لهذه العائدات إلا انها عملت على ادخال عدد من السفن عبر ميناء الحديدة مؤخرا لتفادي وقوع أزمة مشتقات نفطية تفاقم معاناة اليمنيين لاسيما خلال الظروف الراهنة على الرغم من استمرار قيام الحوثيين بالسيطرة على الحساب الخاص الذي تودع فيه هذه العائدات".
وأشارت الحكومة إلى "مبادرتها الجديدة لاستئناف إدخال المشتقات النفطية من ميناء الحديدة"، والتي تتضمن وفق بيان الخارجية "إدخال جميع السفن النفطية المتبقية والمستوفية للشروط إلى ميناء الحديدة، على أن يتم إيداع كافة إيرادات السفن في حساب خاص جديد لا يخضع للحوثيين.
وتقبل مبادرة الحكومة بإمكانية اقتراح آلية محددة تضمن فيها الأمم المتحدة الحفاظ على هذه العائدات، واستخدامها في تسليم رواتب الموظفين بعموم اليمن، بحيث لا يتم التصرف بها إلا بعد اتفاق.
وأكدت الحكومة انخراطها الكامل مع جهود المبعوث الأممي، مشيرة في مبادرتها إلى أمكانية "عقد اجتماعات مشتركة (للحكومة والحوثيين) لمناقشة تعزيز الآلية الخاصة بالمشتقات النفطية" ومناقشة آلية صرف مرتبات الموظفين، مع التشديد على استعادة الأموال التي سحبت من الحساب الخاص بالمرتبات.
وتقول الحكومة والتحالف الداعم لها، إن أزمة المشتقات الحالية في مناطق سيطرة الحوثيين، نتيجة لانقلاب المليشيات على "الرتيبات الموقتة" وتصرفها الاحادي عبر سحب الأموال المجمعة من إيرادات الوقود في الحساب الخاص بالبنك المركزي في الحديدة".
ويشير المبعوث الأممي في إحاطاته وبياناته إلى وجود صراع على الإيرادات الخاصة بالمشتقات النفطية، لكنه أعاد الأزمة الحالية، إلى انقلاب الحوثيين على الاتفاق الخاص بذلك، وتصرفهم الاحادي في الأموال المحصلة من ضرائب المشتقات، وهو ما يتوافق مع رواية الحكومة للأزمة.
فيما تزعم جماعة الحوثيين، أن الازمة سببها، سياسة الحصار والحرب التي تشنها ما تسميها بدول "العدوان" والحكومة "على الشعب اليمني" محملة الأمم المتحدة مسؤولية ما سيترتب على أزمة المشتقات من نتائج كارثية.
وفي ردها المتأخر على بيان المبعوث ومبادرة الحكومة، أعادت المليشيات التذكير باتفاق ستوكهولم، معتبره احتجاز السفن ومنع دخولها ميناء الحديدة تراجع من التحالف والحكومة المقيمة في الخارج على الاتفاقية المتعثر تنفيذها اصلاً منذ قرابة عامين.
وجاء في بيان وزارة الخارجية التابعة للحوثيين المنشور يوم الاثنين على موقع المسيرة، "أن احتجاز السفن يتنافى مع أخلاقيات الحروب، ويمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، واتفاق ستوكهولم الذي نص صراحة على دخول السفن والبضائع بدون أي عوائق إلى ميناء الحديدة، كما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الداعمة لاتفاق ستوكهولم والتي نصت على عدم إعاقة دخول سفن الوقود".
وأعتبر البيان، مبادرة الحكومة "أكاذيب لم تعد تنطلي على أحد باعتبارها ليست فقط افتراءات فارغة وإنما تنطوي على تصنع مقزز لاهتمامات منعدمة واستخفاف بمعاناة الشعب وبعقول الناس".
وقالت خارجية الحوثيين، إن بيان المبعوث الأممي لم يوضح تعنت وإصرار الحكومة "على التراجع عن اتفاق ستوكهولم.. ولم يذكر بوضوح الطرف الذي كان السبب في عرقلة الاجتماع" وهو الاجتماع الذي أسف غريفيث لعدم تحققه في نهاية بيانه أعلاه.
ولم يكتفِ الحوثيون برفض دعوة غريفيث ومبادرة الحكومة، بل ذهبوا في بيان خارجيتهم لأكثر من ذلك، بالدعوة التحالف والحكومة إلى "احترام اتفاق السويد والقرارات الدولية الداعمة له، ورفع أيديهم عن السفن"، مشددين على أن تدعو الأمم المتحدة بشكل صريح إلى "احترام اتفاق السويد وإطلاق السفن".
وشن الحوثيون في بيانهم هجوماً على الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي وأن مواقفها الضعيفة شجعت الحكومة على "مواصلة الاستهانة باتفاق السويد والمطالبة بمقترحات جديدة".
وقال بيان الحوثيين إن "الموقف الضعيف للأمم المتحدة وعدم قدرتها على إظهار الموقف القانوني والإنساني تجاه مخالفات الطرف الآخر لاتفاق السويد والعدول الدائم إلى مقترحات بديلة عوضاً عن المطالبة الصارمة بتنفيذ اتفاق السويد المعمد بقرارات دولية، لا ينسجم مع ما ينبغي أن تكون عليه من توازن وحيادية ولا يخدم الثقة المطلوبة في ما قد ترعاه من اتفاقات مستقبلاً".
وأكدت حكومة المليشيات "أنه لا يوجد في القرارات الدولية أو اتفاق السويد ما يعطي الطرف الآخر الحق في احتجاز السفن وليس هناك مسوغ يمكن أن يستند إليه سوى ضعف الموقف الأممي والاستقواء بالموقف الأمريكي الداعم لكل الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني".
ويأتي تذكير الحوثيين، باتفاق ستوكهولم والسويد ودعوتهم لاحترام القرارات الدولية، بالتزامن مع وزارة الخارجية للأمين العام للأمم المتحدة بشأن تعثر تنفيذ اتفاق السويد، وعدم قيام البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) بمهامها، وضرورة نقل مقرها إلى خارج مناطق سيطرة الحوثيين للتخلص من قيود المليشيات.
كما يأتي تذكير الحوثيون باتفاق السويد، بعد تلميحات حكومية بإنهاء التزام الحكومة بالاتفاقية، لم تقتصر هذه المرة على تصريحات رئيس البرلمان في لقائه مع غريفيث، حيث ألمح وزير الخارجية في برقية بعثها للأمين العام إلى استمرار "تقييد حركة البعثة الأممية وتقويض عملها من قبل مليشيا الحوثي يجعل من مسألة استمرار عملها بهذه الطريقة أمرا غير مجدِ".
ومنذ ما يقارب العامان، يتبادل الحوثيون والحكومة اليمنية، الاتهامات حول عرقلة تنفيذ اتفاقات ستوكهولم، وخرق تفاهمات وقف اطلاق النار، ويخوض الطرفان تجاذبات مع الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص، وصلت في فترات متباعدة إلى اتهامات صارخة في دور الأمم المتحدة الحالي في الأزمة اليمنية.
وسبق للمبعوث الأممي، والسفير البريطاني الذي تتحكم بلاده بملف اليمن في المحافل الدولية، أن تحدثا في أكثر من مناسبة، عن تحقيق اتفاق ستوكهولم للهدف منه ، وهو وقف معرقلة الحديدة وما كان سينتج عنها من تفاقم للأزمة الإنسانية، مكرران دعوة الاطراف للانخراط في مشاورات سلام غير مشروطة.
وقال غريفيث في حوار سابق مع "المصدر أونلاين" إنه يسعى خلال هذا العام لإقناع أطراف الصراع بالذهاب نحو مشاورات غير مشروطة تتعاطى "مع المسائل الكبيرة المتمثلة في الشرعية والحكم وتنظيم الفترة الانتقالية" معرباً عن تفاؤله الكبير وأمله بأن تكلل جهوده في العام الحالي بطي حالة الجمود ومعه الصراع المستمر منذ سنوات في اليمن.
ورغم أن جائحة كورونا مثلت فرصة مواتية لذلك، إلا أن تلك الجهود تكللت بالفشل.
وتزايدت في الآونة الأخيرة وتيرت الصراع والقتال في اليمن، بالتزامن تعاظم معضلات اقتصادية متراكمة وأزمة تمويل التي تواجهها الأمم المتحدة، إضافة إلى مشكلة سفينة "صافر" العائمة قبالة الحديدة، وتعثر تقييمها وصيانتها حتى الآن، ما ينذر بانفجارها المحتمل في أي لحظة متسببة في كارثة عالمية، قد تطال أثارها الأمم المتحدة وأي دور مستقبلي لها في اليمن.