2018-02-22 الساعة 04:05م (يمن سكاي - متابعات)
تُكثّف جماعة الحوثي إقامة دورات «ثقافية»، لم تقتصر على أتباعهم، بل مارسوا ضغوطاً على موظفي الدولة، مدنيين وعسكريين، للالتحاق بها، مهددين إياهم بالفصل من الوظيفة العامة حال عدم المشاركة.
ويسعى الحوثيون من خلال هذه الدورات لإعادة تأسيس وتعزيز الحاضنة الشعبية في مناطق سيطرتهم بعدما اهتزت كثيراً، بفعل ممارساتهم القمعية وفشلهم في إدارة الدولة وتوفير المرتبات وغلاء المعيشة، فضلاً عما خلفته الحرب الأخيرة مع حليفهم الاستراتيجي في الانقلاب، المؤتمر الشعبي العام.
فما الذي يدور داخل هذه الدورات، وكم مدتها؟ من هم المشاركون فيها وماذا يتلقون؟ ولماذا تحاط بسرية تامة؟
بداية الحكاية
تبدأ وتنتهي منتصف الليل يكشف المشاركون أن معظم الدورات تقام في ضواحي العاصمة صنعاء، داخل فلل سكنية راقية ترتفع لطابقين أو ثلاثة، وملحق بها دور تحت الأرض (بدروم)، يرجح أنها (تلك الفلل) تعود لشخصيات سياسية واجتماعية ومسؤولين حكوميين وتجار، استولى عليها الحوثيون.
يُنقل المشاركون في الدورات عادة في باصات مُعكَّسة، عند منتصف الليل تقريباً إلى تلك المساكن، ويعتمدون التمويه في إيصالهم إلى هناك، حتى لا تُعرف أماكن استضافتهم بدقة، وهو ذات الوقت الذي يغادرون فيه بعد انتهاء الدورات، كي لا يشعر جيران تلك المساكن غالباً بما يدور.
خلال نقلهم على الباصات، يُطلب من المشاركين إغلاق هواتفهم وتسليمها للمنظمين، ويمنعون من المغادرة أو الاتصال طيلة أيام الدورة التي تكون بعضها لمدة أسبوع، ويشرف عليها شخص ومساعدان إلى ثلاثة، فضلاً عن منظمين في جوانب أخرى.
أكلٌ وقات.. وموائد مختلفة يخضع المشاركون لبرنامج مُتنوع، يبدأ قبل الفجر بإيقاظهم للتهجد والاستغفار، ثم تأدية صلاة الفجر، وبعدها يتم قراءة قرآن ترديداً بعد المقرئ محمد المنشاوي. يفطرون باكراً بالقهوة والتمر ثم تقام حصة لياقة بدنية (رياضة)، ليتناولوا طعام الافطار عند السابعة والنصف تقريباً، ثم يبدأ البرنامج.
من خلال المقابلات مع المشاركين، فإن وجبات الغذاء تختلف من فئة لأخرى، ففي حين تكون وجبة الفطور للعامة هي «الفول والفاصوليا» ووجبة الغداء «رز مع الدجاج وأحياناً اللحم»، يحظى المشاركون الآخرون كالمشائخ والضباط والأكاديميين بوجبات مختلفة، ففي الفطور يتناولون «الكبدة والدَّقَّة»، ووجبة الغداء مائدة متنوعة من اللحم والأرز والفحسة وبنت الصحن والفواكه.
أثناء الغداء يمر عليهم شخص ويضع إلى جوار كل مشارك كيساً يحتوي على حصته من «القات» وبعد الغداء يبدؤون مقيل القات، ومعها رقصة البرع على وقع الزوامل.
دروس الملازم والمشاهد الإيرانية
يتلقى المشاركون حصصاً ودروساً من ملازم حسين الحوثي (الثقافة القرآنية - خطر دخول أمريكا اليمن - مع الدعاة إلى الله- نِعم الله- وغيرها)، كما يشاهدون مقاطع من مسلسلات درامية إيرانية منها (مسلسل يوسف، مسلسل الحسين، مسلسل المختار الثقفي).
أحد المشاركين أبلغنا أنه شاهد في الدورة التي شارك فيها مشاهد (تمثيلية على الأرجح) عن الحرب العراقية الإيرانية، ليستفيدوا منها كيف يستلهمون أسباب الانتصار، كما فعل المقاتلون الإيرانيون.
مساءً يحضر كل يوم محاضر يستخدم القلم والسبورة ليتحدث في موضوع معين، وغالباً ما تكون المواضيع عن «موالاة أعداء الله»، أو عن قرن الشيطان، (ويقصد بها السعودية) وعن اليهود والنصارى، والصراع العربي الاسرائيلي.
ويركز المحاضرون على اتهام السعودية (أو قرن الشيطان) بموالاة اليهود والنصارى، ويفردون حيزاً كبيراً لها في دروسهم. الحوثي ينتقد مشرفيه ومقاتليه يتخلل ذلك دروس مسجلة لعبدالملك الحوثي، وهي دروس خاصة لم تنشر على الأرجح، ولا يزود المشاركون بها في شريحة الذاكرة التي يعطونهم إياها عند الخروج.
ويحاول الحوثيون التبرؤ من الفساد الذي تمارسه عناصر الجماعة في المؤسسات الحكومية وإعطاء انطباع للمشاركين أنه فساد لا يمثل الجماعة؛ فمثلاً تتضمن تلك الدروس نقداً من الحوثي لأتباعه وخصوصاً المشرفين.
وقال في أحدها إنه تلقى كشفاً يضم آلاف المشرفين في الوزارات والمؤسسات والمحافظات والمديريات، وأضاف انه لا يعلم ماذا يعملون، وما هو أثرهم، وأنهم أصبحوا سبباً في تنفير الناس من المسيرة، حسب قوله.
وتحدث عن المشرفين الذين «يفحطون» بالأطقم ويكسرونها فوق المطبات والطرقات، و«كل واحد يتذرع بذريعة لما يفعل»، وقال «أحدهم يقول انا اعطوني طقم موديل 2000 او موديل 2010 وليس موديل 2015، والآخر يقول انه مشرف ولن يعطوه طقم أحدث إلا إذا أفنى الطقم الأول وهكذا».
أشار الحوثي إلى أن من بين المقاتلين من يتكاسلون عن القتال لأنهم لا تقدم لهم وجبات لحم أو إذا تأخرت عنهم الوجبات، وإذا أكلوا اللحم تحمسوا وقالوا اليوم سنتقدم.
وتساءل: هل يحتوي اللحم على فيتامين شجاعة أم هرمون البطولة، التي لا يحتويها العدس؟ وفي أحد دروسه ينتقد الحوثي المقاتلين الذين «يجدون الوقت لتعاطي القات والمشروبات الغازية، أما عند الصلاة يقول «انا مابش عليا صلاة انا مجاهد».
واعتبر أن من لا يصلي ولا يستغفر لا يمثل المسيرة حتى إن كان في مقدمة الجبهات، وليس كل من جاهد سيدخل الجنة، مبيناً ان كثيراً من هؤلاء لا يوجد لديهم قوة تحمل وصبر كافية وإخلاص لتحمل المسؤولية.
وفي أحد دروسه يقول الحوثي إن هناك من يصف شخصاً قتل في الجبهة بأنه «أهبل»، وقال: هذا يقاتل مع الله وفي سبيله وضد أعدائه فلماذا يقولون عليه «أهبل»، الجواب لأن الثقافة لم تصلهم بالشكل الصحيح.
جدلية الضم والسربلة ويوم السقيفة تثار الخلافات الفقهية المألوفة في جدليتها خلال الدورة، كالضم والسربلة، وقول آمين بعد الفاتحة.
وفي حين يؤكد المشرفون للمشاركين أنهم لا يستهدفون مذهباً ولا يرغمون أحداً أن يفعل شيئاً في العبادات لا يقتنع به، ويخبرونهم أن لهم الحق أن يقولوا «آمين» بعد الفاتحة أو يضموا أيديهم، لكنهم يفرضونها ضمنياً بحكم التعبئة فقول «آمين» من أقول اليهود كما تقول محاضراتهم، ويخشى الأتباع من نظرة المخالفة فيضطرون للسربلة.
عسكريان شاركا في الدورة، غادراها باكراً بعدما شعرا بضيق لا يطاق، كما قال أحدهما لـ«المصدر أونلاين»: عملنا مثلهم رمينا بأيدينا ولم نضم، وصمتنا بعد الفاتحة، لكننا شعرنا بالضيق لانقطاع التواصل مع أهلنا وعدم السماح لنا بالاتصال، وتمكنا من اقناع المشرف على الدورة بأن حالتنا صعبة، وسمح لنا بالمغادرة ليلاً.
الآخر أبدى انزعاجه وضيقه من بعض النقاش الذي يتناول أموراً حساسة حسب قوله، في إشارة إلى إثارة الجدل حول ما دار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يعتبره ضرباً من الطعن في الصحابة.
ويضيف: يصور الحوثيون ما جرى يوم السقيفة باعتباره مؤامرة على الإمام علي بن أبي طالب، الذي انشغل بغسل ودفن الرسول الكريم وهو صاحب الولاية، فيما ذهب غيره لترتيب شؤون الحكم وسلبه من أصحابه، الأمر الذي يثير حفيظة كثيرين خصوصاً من الملتحقين بالدورات من غير أتباع الفكر الحوثي.
انطباع أكاديمي في إحدى الجامعات شارك في الدورة تحدث لـ«المصدر أونلاين» حول تجربته، وقال ان الحوثيين ترددوا عليه منذ أشهر ليشيدوا بمناقبه ويعرضون عليه المشاركة وكان يعتذر بسبب مشاغله، لكنه اضطر للالتحاق بالدورة تحت ضغط شديد.
أكاديمي آخر قال ان الدورة بالنسبة لنا كانت أيام ضيافة كريمة بامتياز، «لكن عليك أن تغلق عقلك في حدود ما يفكرون أو ما ارتضوه لأنفسهم كسقف للتفكير والعقل».
يصف برنامج الدورة بأنه «أقرب إلى أن يكون مزيجاً من الدعوي والتوجيهي، وبالنسبة لنا كأكاديميين فقد أبلغونا أنهم يدركون أننا أرباب العلم لكن الهدف من الدورة تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة أو غير الواضحة بالنسبة لنا».
وأضاف انها تتضمن جانب تثقيف سياسي «منغلق يقصي العقل»، يريد منك ان تكون تابعاً بلا نقاش ولا تفكير، وأن تقيد تفكيرك بحدود ما رسموا لك وتدور في إطاره، ويسعون لتعبئة الناس وفق هذا الإطار.
سألناه: هل كنتم تناقشون أم تتقبلون ما تسمعون دون نقاش، فرد بأن أغلبهم - للأسف - لم يكونوا يميلون للمناقشة ويكتفي بالسماع وإنهاء برنامج الدورة سواء اقتنع أم لا، لكنه أشار إلى أن البعض كانوا يناقشون رغم عدم جدوى المناقشة.
يضيف: هذه جماعة مغلقة تريد أن تقنع الناس أنها تحكم بالقرآن ومشروعها هو القرآن، وثقافتها مستمدة منه، لتجعل من يعارضها في مواجهة مع المقدس. لديهم سقف معلوم، وحدود للتفكير والنقاش لا يمكن لهم تجاوزها. الإمامة والولاية حكراً على الحوثي سياسياً ما فهمته واستوعبته من الدورة.
يتابع الأكاديمي «أن هدفهم الإمامة من منطلق الولاية، ويعتمدون نظام المرجعية الواحدة ذات القداسة والسلطة المطلقة في الحكم على الطريقة والنهج الإيراني والشيعي المعروف».
ويضيف أنهم عندما يناقشون مسألة الولاية أو سقيفة بني ساعدة فهم يُجيّرون مبدأ الولاية لصالحهم تماماً ويعتبرونها شأناً خاصاً ومغلقاً على أصحاب (منطقة) مرّان بصعدة (أسرة الحوثي تحديداً)، وليس مفتوحاً للهاشميين من الأسر الأخرى (ناهيك بالطبع عن اليمنيين)، لأنهم هم من قدموا التضحيات وبدأوا هذه المسيرة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
ويشير إلى طرح أحد الحاضرين «بأننا سنجرب برنامجكم لمدة سنة كما جربنا مختلف البرامج الرأسمالية والاشتراكية والاسلامية»، فرد عليه جازماً «أن برنامجهم وجد للتطبيق وليس للتجريب أو الاختيار».
العودة إلى الانتصارات الإلهية
يعزو الحوثيون هزائمهم المتوالية، وتراجع زخمهم، ومعها تراجع الانتصارات «الإلهية»، في مختلف الجبهات إلى التقصير في الالتزام الديني المنحسر لصالح الدنيا، بسبب التقصير في الاستغفار وفي الحفاظ على الصلاة وعدم نشر «الثقافة القرآنية»، ولأجل ذلك عادوا مجدداً لإقامة دورات ثقافية إلزامية مستغلين امساكهم بمفاصل الدولة للضغط على موظفيها للالتحاق بها.
يقول حوثيون إنهم بالعودة إلى نشر ما يسمونها بـ«الثقافة القرآنية» فإنهم يهيئون أرضية ملائمة تستند على وعي مجتمعي، يمكنهم من العودة إلى جميع المناطق التي خسروها خلال العامين الماضيين بما فيها عدن، والعودة إلى زمن ما كانوا يصفونها بـ«الانتصارات الإلهية».
وأكد شاب حوثي أنهم سيعودون إلى عدن عما قريب بعد إجراء المراجعة الثقافية والقرآنية اللازمة وكان يقسم على ذلك بأيمان مغلظة. ولأجل ذلك؛ أقيمت دورات كثيرة ومكثفة استهدفت فئاتٍ متنوعة من العامة إلى الوجاهات، إلى التربويين والأكاديميين والعسكريين، وموظفي الجهاز الإداري.
في أحد دروسه المسجلة غير المعلنة والمخصصة للمشاركين في الدورات، يشير عبدالملك الحوثي إلى أن أتباعه حينما وصلوا عدن كانوا يستميلون المشايخ والوجهاء بإعطائهم سلاح AK، دون نشر «الثقافة القرآنية»، فجاء «تحالف العدوان» وأعطاهم دبابات بدل البنادق واستمالهم إليه، معتبراً ضمنياً أن عدم نشر ثقافة الجماعة هناك هو سبب هزيمتهم.
ويزعم الحوثي ان أنصار جماعته في تعز يتجاوزن 70%، لكن الحاضنة الشعبية لم تؤسس بشكل صحيح، لعدم نشر «الثقافة القرآنية»، منتقداً تثقيف الناس بملازم شقيقه حسين قبل القرآن «كيف سيتقبل منك الناس ان تقول لهم «قال سيدي حسين قال سيدي حسين» وأنت لم تبدأ لهم من القرآن.
ورغم أن غالبية موظفي الدولة لا يتقاضون رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثي، عدا نصف راتب كل بضعة أشهر، إلا أن الضغوط أثمرت في التحاق مئات الموظفين، وربما الآلاف، بتلك الدورات، لأنهم يخشون خسارة وظائفهم، إذا ما استمر الحوثيون في حكم البلاد، في ظل غياب مؤشرات موثوقة باحتمال قلب موازين القوى في القريب.
هدايا الدورة
عند انتهاء الدورة يوزع على المشاركين كيس قماشي يحتوي مصحفاً وملازم حسين الحوثي وكتيبات تحض على الجهاد وأخرى خاصة بالأذكار، كما يُمنح أغلب المشاركين مشغلاتMP3 ، ذاكرة فيها بعض سور القرآن الكريم، وبعض المشاهد المرئية التثقيفية ودروس الحوثي التي سبق إذاعتها.
ويُعطى للمشاركين رقم خاص(ربما) للدلالة على المشاركة في تلك الدورات، وتُسجل أسماؤهم في استمارات وكشوفات خاصة. يغطي الحوثيون تكاليف المواصلات والإقامة للمنتقلين من محافظات أخرى إلى صنعاء، وفي نهاية الدورة يمنح المشاركون مبالغ مالية إضافية تتراوح بين 20 الف ريال - 50 ألفاً، لكنها أحياناً تقل عن ذلك.
بعض من التقيناهم من العامة، كانوا يلمحون إلى أن المشاركة في الدورات «مجدية» لجهة العائد المادي في ظل انقطاع الرواتب، إذ سيكون بإمكان شخص ما أن يشارك في دورتين منفصلتين ليحصل على عائد ماليٍّ معقول أفضل من انتظار نصف الراتب كل عدة أشهر.
يغادر المشاركون ليلاً كما دخلوا ليلاً، وبعد مغادرتهم المكان تسلم لهم هواتفهم، ويتم ايصالهم إلى نقاط معينة لينتهي هنا برنامج الدورة.
*المصدر أونلاين