2021-12-07 الساعة 02:26م (يمن سكاي - )
المصدر أونلاين - أسامة عفيف
مطلع شهر نوفمبر الماضي، كان المواطن "محمد زيد" يقود سيارته عائداً مع أسرته من عرس أحد أقاربه على الطريق الواصل بين مديرية "القطابا" في محافظة الحديدة وبين منطقته "أزيَّب"، وفي المقعد الخلفي للسيارة كانت الطفلة "سارة" البالغة من العمر 10 سنوات سارحة في التفكير، قبل أن يقطع حبل أفكارها انفجار كبير.
انفجر لغم أرضي زرعته ميليشيا الحوثي على الطريق، وأصيب كل من في السيارة بكسور وجروح بالغة، لكن إصابة سارة كانت هي الأكبر، حيث فقدت الطفلة قدمها اليمنى وهي في عمر الزهور، فانقلبت حياتها رأساً على عقب.
يتحدث والد سارة بصوت يخنقه البكاء فيقول "من يوم أصيبت سارة وهي تعاني أشد الأوجاع وتبكي كل الوقت، حالتها الصحية والنفسية متدهورة ولكن هذا قدر الله".
ويضيف "زيد" في حديثه للمصدر أونلاين، "توقفت سارة عن دراستها وحتى الآن لم نضع لها قدم صناعية".
حكايات وآلام لا تنتهي
أغلب حوادث الألغام تقع على المدنيين من النساء والأطفال، فهناك الكثير من القصص التي تم رصدها في مناطق متفرقة في اليمن، من بينها حالة "عبد الله الفقيه" شقيق "فاكهة" (45عاماً) التي تسكن في منطقة الشقب التابعة لمحافظة تعز المليئة بالألغام.
بينما كانت "فاكهة" قبل سنتين في أحد الشِعاب القريبة لدارها انفجر بها لغم أرضي أحدث لها إصابة بالغة في جميع جسدها، وأفقدها إحدى عينيها وقدمها اليمنى، فيما باقي جسدها مليء بشظايا اللغم التي أقعدتها في البيت وجعلتها غير قادرة الحركة.
"منصور عبده" أحد أبناء منطقة الشقب بتعز أيضاً، من أوائل الرجال الذين خرجوا للدفاع عن مدينة تعز وقاتل الحوثيين بسلاحه الشخصي، لكنه منذ سنتين أصيب بلغم أرضي أفقده بصره وبتر قدمه اليمنى، فيما باقي جسده مليء بشظايا اللغم، وأصبح عاجزاً عن الحركة تماماً.
وفي مطلع العام الجاري بينما كان علي (اسم مستعار) (65 عاما) أحد أبناء مدينة تعز عائداً على متن سيارته من المملكة العربية السعودية في خط الجوف/مأرب، انفجر به لغم وببتر يده وقدمه اليسرى، ويعيش الآن على الأطراف الصناعية.
ويطال خطر الألغام في اليمن الكثير من الناس، حيث يروي "سامي حيمد" مدير البرنامج الوطني لنزع الألغام في الساحل الغربي قصة شقيقه محمد الذي أصيب بلغم أرضي أثناء مزاولته العمل ضمن فريق نزع الألغام.
كما أشار "حيمد" إلى قصة امرأة حامل في شهرها السابع كانت تمشي مع طفلها الصغير، إذ انفجر بها لغم في منطقة المسنا، ليتوجه محمد إلى مكان الحادثة، ويجدها مبتورة القدمين بينما كان طفلها يشاهدها من قريب، والجنين توفي في رحِمها لأنه أصيب بشظية اللغم.
"سامي حيمد" في حديثه لـ"المصدر أونلاين" يقول "نزلنا إلى منطقة المسنا نزعنا الألغام وفتحنا الطرقات، وكانت تلك آخر قرية وسنعود، أصيب محمد بلغم فردي في ركن أحد البيوت، وبترت رجله اليسرى والأخرى مليئة بالشظايا".
يضيف سامي أن "منطقة المسنا كانت تحت سيطرة القوات المشتركة، وكانت مليئة بالألغام الفردية وألغام العربات، وسقط كثير من الضحايا المدنيين فيها".
على الجانب الآخر يعيش مواطنو منطقة بني الأزيَّب في محافظة الحديدة ظروفاً مأساوية على كل المستويات فالكثير منهم سقطوا ضحايا للألغام.
يقول "محمد عياش" وهو مسؤول محلي في "بني الأزيب" لـ"المصدر أونلاين" "بُتر ما يقارب 20 شخص من بني الأزيب، يمشون على أعواد الخشب والعصي، ولا يملكون أطراف صناعية منذ أكثر من سنتين".
الألغام تحصد الأرواح اليمنيين
الألغام التي زرعها الحوثيون في اليمن خلال الأربع السنوات الماضية، تفوق قدرة الفرق الهندسية والعاملة في نزع الألغام والناس يموتون يومياً بسببها وسط صمت واهمال من المنظمات الدولية والأمم المتحدة.
لم نحصل على إحصائية دقيقة لضحايا الألغام في اليمن لكن "زعفران زايد" عضو استشارية وزارة حقوق الإنسان في اليمن تقول أن هناك 10 آلاف من الضحايا المدنيين قتلوا بسبب الألغام أغلبهم من النساء والأطفال.
وفي مناطق واسعة في مديريات الساحل الغربي بالحديدة، ومديرية خب والشعف في الجوف، وميدي في حجة، تطفو حقول واسعة وعشوائية من الألغام، زُرعت معظمها في الطرقات العامة والمدارس وآبار المياه والمزارع.
"فارس الحميري" المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام يقول إن الحوثيين زرعوا ألغاماً فردية محرمة دوليا، وأخرى مضادة للعربات وعبوات ناسفة مموهة وأشراك خداعية بشكل مفرط في مناطق واسعة يستخدمها المدنيون باستمرار في عدد من المحافظات اليمنية.
في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" يقول "نسجل بصورة شبه يومية بالمرصد سقوط ضحايا مدنيين على امتداد محافظات الحديدة وتعز والبيضاء ومأرب والجوف وحجة، ومعظم هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء".
ويضيف :"وثقنا منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية نوفمبر الماضي 56 قتيلا مدنياً ونحو 100 جريح، معظم هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء والفلاحين".
استمرار لزرعة الألغام وصمت دولي
الناشط الحقوقي والمدافع عن حقوق الإنسان رياض الدبعي يقول في تصريحه لـ"المصدر أونلاين" إن "الحوثيين يقومون باستهداف ممنهج للمدنيين في اليمن ويخترقون كل القوانين والأعراف الدولية ابتداءً بزراعة الألغام وغيرها من الكمائن الأرضية التي تصيب المدنيين لتتركهم أجسادا مشوهة".
ويضيف "الدبعي" "يتحمل الحوثيون المسؤولية المباشرة عما لحق بالضحايا المدنيين وهذه جرائم تستدعي التحقيق الفوري ومحاسبتهم وجبر ضرر الضحايا، لأن غالبية ضحايا الألغام سواء من قتلوا أو تعرضوا للإصابة والإعاقة هم مدنيين".
وخلال أسبوع واحد فقط تم نزع 1541 لغما في مناطق متفرقة من اليمن، الأمم المتحدة أعلنت أن 1424 مدنيا قتلوا خلال أربع سنوات فقط إثر الألغام والذخائر التي لم تنفجر في اليمن حسب إحصائية أممية.
وقال مكتب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن في بيان له إن الألغام الأرضية تعصف باليمن منذ سبعة أعوام وما زالت تتسبب في قتل وتشويه المدنيين وتشكل خطراً كبيراً على المدنيين، فيما تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن اليمن تشهد أكبر عملية زرع للألغام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.