أهم الأخبار
سام الغباري

سام الغباري

سلام أم أحلام؟

2021-04-17 الساعة 03:13ص

تابعت مبادرة السلام السعودية، وتذكرت أننا جلسنا مع عبدالملك الحوثي عشرات المرات بداخل مبانٍ استولى عليها خلال حروبه الست وما بعدها، كان يتحدث وعيناه تذهبان إلى حيث يجلس ضابط صارم الملامح لا يبدو يمنيًا وسحنته تشبه الفارسيين، وكأنه يستنطق الرضا منه عن حديثه عندما اقتطع رئيس الوفد الرئاسي إلى صعدة في 2014 «د. أحمد عبيد بن دغر» معه وقتًا قصيرًا في غرفة ملحقة بصالة اللقاء، شعر الرجل بالاستقلال، ووافق تحذيرات بن دغر بأن سقوط صنعاء قد يجلب حربًا هائلة، كان عبدالملك الحوثي يمضغ أنفاسه، وينحني على طاولة بلاستيكية بيضاء لالتقاط علبة سجائر أمريكية، ويشرع في تدخين واحدة منها، وعيناه تتنقلان ما بين محدثه وباب الغرفة الموصد، يفكر كما يبدو في إجابة مقنعة لذلك الضابط الإيراني حين يسأله عما دار بالداخل.

عاد بن دغر إلى صنعاء، وألقى خطابه الشهير أمام الرئيس وجمع ضخم من الناس، وذكر ما دار بينهما، فظهر عبدالملك متوترًا غاضبًا ينفي ما حدث، وأنه عازم على اسقاط الحكومة، ومن وراءها صنعاء ثم عدن.

 

السلام مع الحوثيين أحلام يقظة، هذا ما خرج به اليمنيون طوال فترة صراع استمرت 17 سنة توزعت بين الجبال والسهول وتمددت إلى البرلمان والقوى السياسية وثورات الربيع العربي، ثم انتهت بمحاولة الرئيس السابق «علي عبدالله صالح» ترويضهم في 3 سنوات عجاف، لبناء دولة خارج الدستور اليمني والتأثير العربي، فخرج على قومه قبل مقتله بأربعة أيام؛ مغازلًا إيران، إلا أن «قاسم سليماني» لم يلتفت لتلك التوسلات المبطنة بقبول «التشيع» مقابل «الدعم» الذي كان في حقيقة الأمر محاولة لدرء مخططات حصاره وقتله، ليظهر «علي عبدالله صالح» للمرة الأخيرة داعيًا إلى الحرب حتى إنهاء السيطرة الإيرانية، وقد كانت أصوات القذائف التي تدك حصون منزله تُسمع بوضوح في ذلك التسجيل الذي أطلق فيه وصاياه الأخيرة.

 

من تلك الوصايا أن لا عهد للحوثي، ترجمتها تجربة مريرة تلقاها رئيس دولة سابق وزعيم سياسي ثقيل على هيئة رصاصات نحاسية فجّرت رأسه. يتمسك الحوثي وأتباعه بالولاية السياسية والدينية كحامل عقدي يغذي مشروعهم، لكنه رغم الولاية التي ينصب لها صور شقيقه «حسين» في شوارع سيطرتهم، إلا أنه ليس «الإمام». يُطلق على «عبدالملك الحوثي» صفة «السيد العلم» فقط وليس «الإمام»!، ذلك يعني أنه الرجل الذي يشار إليه ولم يستكمل شروط الإمامة كاملة، وفي حالة هذه الجماعة الدموية فإن التعريف الدقيق لمصطلح «السيد العلم» يعني: مدير فرع الإمامة الإيرانية في اليمن. ويعني أيضًا أن عبدالملك الحوثي لن يصبح إمامًا كما كان أسلافه الإماميون في صنعاء قبل إسقاطهم في 26 سبتمبر 1962م، وإن حاول التفكير في ذلك، سيقتله «خامئني» على الفور، وبالمعنى المذهبي البسيط لهذه الحالة المعقدة فإن نظرية ولاية الفقيه الخمينية ابتلعت المذهب الزيدي - الهادوي، وحرمت هاشميي اليمن من الإمامة وربطت كل أشكال الدعم والبقاء والسيطرة لهم في حدودها الدنيا تحت بند: شيعة الشوارع.

 

كيف يمكن إحلال السلام في اليمن، هذا السؤال اليقظ يثير انتباه العالم، لكن الحقيقة أن التمسك بنظرية الولاية في صنعاء وفي خنادقها ملايين الذخائر والصواريخ والتشكيلات الميليشاوية المدربة لا يبشر مطلقًا بأي فرصة لتحقيق سلام حقيقي، ولو قدمت الحكومة اليمنية والتحالف العربي كل التنازلات من أجله، فالولاية تعني السيطرة على كل شيء، ويجب أن يذهب اليمانيون بعدها إلى الريف ليزرعوا ويحصدوا، كي يشبع «السيد» ويهنأ، وحتى المدن ستبقى محرمة على المواطنين العاديين، لأن الحوثي عازم على تهجير كل من لا ينتمي للطبقة الاجتماعية الأولى إلى الأرياف الفقيرة، حيث لا أثر لأي صورة من أنماط الحياة العصرية.

وإلى لقاء يتجدد.

 

 

* مقال للكاتب في صحيفة الجزيرة السعودية

 
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص