أهم الأخبار
فكرية شحرة

فكرية شحرة

أطباء معتلون في زمن الوباء

2020-06-20 الساعة 03:13م

لم أندم يوما لاختياري هذه المهنة.

يوم قررت أن أصبح طبيبا، لا يعني أني قمت مبكرا وذهبت لتقييد أسمي في سجلات كلية الطب، ودفعت الرسوم، ومرت السنوات السبع كالريح..!!
 
حين قررت أن أصبح طبيبا، لم تنم أمي ليلتها قلقا عليَّ. أما أبي فقد لجأ إلى سطح المنزل يدعو الله أن يعينه على هذه المهمة الشاقة، لـ"فلّاح" لا يملك سوى قوت يومه؛ أو أن يصرف قلبي عن هذه الامنية.
 
هذه الأمنية المستحيلة، لشاب قروي في ريف المناطق الوسطى، حيث لا يوجد في مدينته كلية طب، وكل ابناؤها الدارسين خريجي كلية التربية..!!
 
لم ينم أبي قلقا، لأني قررت السفر إلى العاصمة صنعاء للدراسة!!؛ فماذا لو قلت له أني استحق منحة دراسية إلى الخارج نظير تفوقي، الذي حصده ابن الشيخ، ليحصل على هذه المكافئة نيابة عني..!!
 
سبع سنوات؛ جعتُ فيها بقدر ما اجتهدت وسهرت فيها؛ بقدر ما عملت وعانيت فيها؛ بقدر ما فرحت وتغربت في بلدي، حتى تخرجت طبيبا كما تمنيت وحلمت.
 
أصبح أبي لا ينام من الفرح، وهو يرى ولده طبيبا يثق الناس بتطبيبه؛ وصرت لا أنام تفانيا في عملي في مستشفى المدينة التي ليس فيها كلية طب.
 
ومؤخرا لم أندم على عملي بدون أجر..!! لم أندم على فرصتي الضائعة للهجرة، ولأني آثرت البقاء في بلدي لخدمة البسطاء والمساكين..
 
لكن في زمن الوباء، ونحن الأطباء نقدم أرواحنا من أجل رسالة آمنا بها، رأيت الندم في عيون زملاء باغتهم الإهمال القاتل!!؛ كانوا يشعرون أنهم يُقدَمُونَ للموت كأضحية مكبلة بالعجز عن الوقاية من وباء يفتك بالأطباء أولًا!!

لم أندم وأنا أرى زملاء يتساقطون موتى في ظل هذا الوضع الظالم!!؛ كما لم أندم وأنا أرى البعض يتخلى عن واجبه، وينجو بنفسه هربا من حتمية الموت بلا أي امكانات للوقاية من عدوى المرضى..!!
 
ولم أحلم- كغيري- أن نجد ذلك الاحتفاء الذي حظي الأطباء في العالم، نظير تضحياتهم أمام هذه الجائحة العالمية..!!
 
ولم يخالجني الندم حين أصبت بالوباء، فأنا جندي في معركة مختلفة من معارك الحياة ضد الموت..
 
لكنني وأنا أواجه الموت، شعرت بالندم، فقط خوفا على أطفالي من معاملة الناس وجهلهم؛ لكون والدهم رجل مات بالوباء!!.
 
تلك المعاملة التي قتلت أرواحنا قبل كل شيء؛ فقد كنا نُطحن بين إهمال الجهات المعنية، وبين نظرة الناس التي تقترب من الوحشية!!.
 
شعرت أني طبيب في وطن مريض بالجهل، وأنا عاجز عن معالجته، أو تطبيب جهالته..!!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص