
بصوت تخنقه العَبرة، تحكي نعمة الشرعبي ذات الخمسين عاما، قصة معاناة متفاقمة وصلت ذروتها هذا العام مع حلول شهر رمضان، إذ لم تستطع أن توفر لأطفالها الأربعة احتياجات الشهر الكريم من الغذاء الأساسي ناهيك عن متطلبات أخرى.
وتعكس قصة "نعمة" حال أغلب اليمنيين في ثامن رمضان يحل عليهم منذ بدء الحرب التي تشنها ميليشيا الحوثي ضد اليمنيين في عدد من المحافظات منذ أكثر من 7 سنوات.
تقول نعمة لـ "المصدر أونلاين" بلهجتها الشعبية البسيطة "رمضان على الأبواب وأني مش قادر أوفر لأطفالي أبسط الحاجات.. كنت كل سنة أشتري كيس دقيق ومستلزمات قليلة بحدود 50 ألف ريال، هذا العام وجدت سعر الدقيق 44 ألف، فرجعت البيت وأني فاضي.. مضطرة آخذ احتياجاتي بالكيلو".
وتضيف "الشرعبي" "كلما قلنا للتجار اتقوا الله احنا بنموت جوع من أسعاركم قالوا هذا كله من الحكومة ومالنا ذنب وكله من الصرف الذي مش مستقر والريال الذي فقد قيمته".
استقبال باهت
تلخص نعمة حال آلاف الأسر اليمنية التي تواجه مزيداً من الصعوبات والأزمات التي راكمتها تراكمت بفعل الحرب والصراعات المشتعلة داخل البلاد، لتنعكس في مجملها على كافة تفاصيل معيشتهم، وتؤثر في قدرتهم على شراء كثير من المواد الغذائية والمستلزمات التي كانت قبل أعوام أساسية في أغلب منازل اليمنيين.
ثمة طقوس خاصة متعارف عليها احتفاءً برمضان تبدأ قبل أسابيع من وصوله، فالنساء يحتفلن بالشعبانية ولبس التراث وعمل المأكولات وجمع الأهل والأصدقاء والاحتفال كل على طريقته الخاصة، بينما يضيء الشباب الشوارع ويرفعون الفوانيس ويفتحون المهاجل (أغاني شعبية) والأناشيد التي تعلن عن قدوم الشهر الكريم لإدخال البهجة والسرور على بعضهم وعلى الأطفال.
كثير من تلك المظاهر كان لها حضور باهت هذا العام، حيث تقول "نعمة" "إن الحياة أصبحت لا تطاق في ظل الظروف المعيشية"، دون أن تخفي تخوفها من قادم أكثر بؤساً، فرمضان وبعده العيد بحاجة لمصاريف مضاعفة عن الأشهر الأخرى.
ظروف معيشية قاهرة
لم يعد كثيرٌ من اليمنيين متحمسين لكثير من المظاهر والمتطلبات الرمضانية مع الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرون بها، في ظل توقف صرف الرواتب، وانعدام الخدمات والاستقرار، وغلاء الأسعار، وغياب الرقابة على جشع التجار، وانتشار البطالة.
وكحالة خاصة يضاعف معاناة السكان في تعز حصار خانق ومرهق تفرضه ميليشيا الحوثي على المدينة، تحول معه مشوار العشر الدقائق بين ضواحي المدينة ووسطها إلى 10 ساعات، بما يفرضه ذلك من أعباء على كل أسعار أغلب المواد الغذائية القادمة من ضواحي المدينة أو من عدن.
يقول محمد النقيب، وهو عامل في أحد المحلات التجارية لـ "المصدر أونلاين" "إن مستوى الاقبال على شراء المواد الغذائية والاستهلاكية تراجع هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، فالزبائن كانوا يأتون في شعبان لشراء الاحتياجات ب50 إلى 60 ألف ريال، فيتم اعطاؤهم دقيق والأشياء التي يطلبونها، بينما الآن 50 أو 60 الألف في هذا العام لا يعود لمنزله إلا بكيس يحمله بيده فقط بقليل من الاحتياجات".
ويقول "أسامة عبدالرحمن" وهو محاسب في "سوبر ماركت" "إن الإقبال من قبل المواطنين على شراء المواد الغذائية لرمضان انخفض هذا العام، والسبب يعود للارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية مقارنة بالأعوام الماضية، مقدرا نسبة البضاعة المستهلكة لهذا العام بنحو 35% مقارنة بالعام الماضي".
من جانبه، يوضح المواطن محمد أحمد في حديثه لـ "المصدر أونلاين" "أن ارتفاع الأسعار يتم بين لحظة واخرى رغم أن المواد الغذائية تكون مخزنة داخل المحلات، ولكن جشع التجار وطمعهم وعدم وجود رقابة عليهم يجعلهم يتصرفون حسب هواهم ويكسبون الريال الحرام مقابل تعسر معيشة المواطن الذي يصعب عليه شراء المواد البسيطة بسبب التلاعب".
تدهور العملة.. تدهور للمعيشة
ويتفق الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح والباحث الاقتصادي وحيد الفودعي على المآلات الكارثية لانهيار العملة الوطنية التي فاقمت الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً في مختلف المحافظات اليمنية، وساهمت بشكل كبير في تضخم أسعار السلع والمواد الغذائية ومختلف الخدمات، إلى جانب تراجع القوة الشرائية للمواطن.
وقال "وفيق صالح" لـ "المصدر أونلاين"، إن استمرار تدهور العملة، يعني بالمحصلة، ارتفاعاً مستمراً لأسعار السلع والغذاء والخدمات، إذ يستورد اليمن أكثر من 90% من احتياجاته من الغذاء والسلع.
وأشار "صالح"، إلى ما تسبب به انهيار العملة خلال السنوات الأخيرة، من آثار كارثية على الاقتصاد الوطني، حيث انكمش الاقتصاد إلى النصف، وتراجع الناتج المحلي بشكل كبير أيضا نتيجة التضخم الجامح الذي نتج عن ارتفاع أسعار المواد الأولية ومختلف تكاليف المعيشية، وتوقف الاستثمارات الخارجية والمحلية، وتعطل الصادرات.
معيشة أشد قسوة
خلال رمضان الحالي، والحديث لوفيق صالح، تدهورت الأوضاع المعيشية أكثر من ذي قبل، وتضخمت أسعار السلع خلال فترة وجيزة، بأرقام قياسية، أضف إلى ذلك أن تكاليف الخدمات ارتفعت إلى ضعف سعرها السابق إضافة لتراكم عوامل خارجية تظافرت لتورث هذا التضخم في أسعار السلع والغذاء مع ارتفاع عالمي في أسعار النفط والقمح وسلع أساسية أخرى بفعل الحرب في أوكرانيا.
ومن بين العوامل الداخلية، إضافة إلى انهيار العملة، يشير "صالح"، إلى الازدواج الجمركي، وانقسام السياسة النقدية، وإغلاق الطرق والمنافذ الرئيسية، ولجوء التجار إلى طرق وعرة، وهذه جميعاً تسببت بموجة التضخم الحالية في الأسواق، وبالأخير المواطن هو من يدفع الثمن.
تضخم جامح ودخل ثابت
ويقول الباحث "وحيد الفودعي" لـ "المصدر أونلاين"، إن تدهور العملة الوطنية وانخفاض سعرها أمام العملات الأجنبية من جانب وانخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية يؤثران بشكل كبير على القطاعات الصناعية والتجارية بشكل عام في البلاد، وبشكل مباشر على المواطن.
وأشار "الفودعي" إلى أن اليمن بطبيعته دولة مستوردة لأغلب السلع الاستهلاكية بما يعادل 90٪، التي ترتفع أسعارها بارتفاع أسعار العملات الأجنبية، لتمس صميم الوضع المعيشي للمواطن الذي لم يعد بمقدوره أن يلبي أدنى متطلبات الحياة.
ويؤكد "الفودعي" أن انهيار قيمة الريال اليمني وتراجع القوة الشرائية ألقت بضلالها على العديد من المتغيرات الاقتصادية ومنها التضخم الجامح الذي لمسناهُ خلال العام الماضي، فالأسعار وصلت إلى مستوى لا يستطيع المواطن اليمني تلبيتها خصوصا مع ثبات دخله.
رمضان أكثر بؤساً
ويحل رمضان هذا العام أكثر بؤساً على اليمنيين، بالتزامن مع مشاورات تجري في الرياض، تعول عليها الحكومة لتشكل نافذة أمل لليمنيين في دعم اقتصادهم من دول مجلس التعاون الخليجي بدرجة أساسية وأصدقاء اليمن عموماً، لكن مستقبل اليمنيين يبقى معلقاً رهن حسابات معقدة فرضتها الحرب.
ورغم كل ذلك يكافح اليمنيون للحفاظ على سمات حياتهم في هذا الشهر الكريم وغيره، رغم تلاشيها، إلى حين يحين موعد الخلاص، واستئناف حياتهم بشكل طبيعي، في ظل دولة تحفظ كرامتهم وانسانيتهم وتقوم بواجباتها تجاههم وفقا للدستور والقانون.