
أصبح للبُنّ اليمني يوم سنوي يزداد رسوخاً وتأصيلاً في الثالث من مارس كل عام، مدفوعاً بتطلع اليمنيين وحماسهم إلى مستقبل يحضر فيه اسم اليمن عالمياً مجدداً لدى من لا يعرفه مقترناً بمجد ونكهة القهوة بعد أن كانت الفعالية قبل سنوات مجرد ظاهرة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي.
تقول الأساطير إن أصل استخدام القهوة يعود إلى الأروقة الصوفية التي استخدمته كمادة منبهة تساعد التركيز والسهر للإكثار من العبادة.
وتتنوع القهوة اليمنية حسب المادة المستخدمة في إعدادها وبحسب المكان والمناسبة التي أعدت لها، فلكل لكل مناسبة قهوة بمذاق وتركيبة مختلفة، كجلسات المقيل للرجال ففيها تقدم شراب القهوة بالبن الممزوج بالزنجبيل، فيما تقدم القهوة المصنوعة من غلي قشور حبات ثمرة البن مخلوطة بحبيبات السمسم والمكسرات في جلسات النساء.
وتعد أنواع القهوة المنتجة في اليمن من أفضل وأجود الأنواع عالمياً، إذ أنها تأتي من شجرة من نوع ”أرابيكا“، وتصل أصناف البن اليمني إلى 16 صنفاً طبقاً لمنطقة زراعته وإنتاجه.
شهدت زراعة البن في اليمن تراجعاً خلال العقود الماضية مع ارتفاع نسبة زراعة نبتة ”القات“ وضعف الاهتمام الحكومي لتشجيع زراعة البن رغم الجدوى الاقتصادية الجيدة، وصولاً إلى ظروف عدم الاستقرار والحرب التي تعيشها البلاد، وعوامل أخرى متراكمة، أثرت بشكل كبير على هذا المحصول الاقتصادي الهام.
كانت اليمن المزود التاريخي الأبرز للقهوة في العالم قبل أكثر من مئة عام، لكن دورها تراجع ليصل لتحتل المركز الـ42 عالمياً من بين 64 دولة، وتنخفض المساحات المزروعة من البن إلى نحو 34 ألف هكتار فقط، بينما كانت نحو 110 آلاف هكتار منتصف القرن العشرين.
معظم إنتاج اليمن من البن يتم استهلاكه محلياً، إلى جانب كميات من البن المستورد، فيما لا تتجاوز كميات البن المُصدّرة أكثر من 1٪ من إجمالي الإنتاج المحلي.

رسمياً أعلنت وزارة الزراعة في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً اعتماد مشروع تمويل 10 مشاتل لانتاج شتلات البن بمحافظتي لحج وأبين بالتزامن مع يوم البن، في إطار توجه حكومي للاهتمام بهذا المنتج الاقتصادي الأصيل بعد عقود من التجاهل.
شعبياً؛ وتزامناً مع فعاليات يوم البن اليمني ظهرت العديد من المبادرات الشبابية التي نشطت على إعادة تحفيز الوعي العام وربطه بماضي البن اليمن، مع العمل على تشجيع زراعته. فأقيم مهرجان لتسويق القهوة في صنعاء، كما أقيمت في مدينة تعز فعالية يوم البن برعاية رسمية وشراكة شبابية وشعبية وحضور كبير.
وقال مدير منظمة شباب التجديد يوسف الهياجم لـ“المصدر أونلاين" إن المنظمة خصصت برنامجاً متكاملاً للبن اليمني وعملت أيضاً على تكوين المجلس الشبابي لزراعة البن في تعز، لتعزيز دور الشباب وإشراكهم في إعادة زراعة البن في المحافظة بشكل خاص، وفي اليمن بشكل عام.
ونشأ مجلس للبن في منطقة "طالوق" بمديرية المسراخ وهي منطقة زراعية تنتج البُن، لكنها لاقت الكثير من الإهمال، وهذا أحد أهم الأسباب التي استدعت إطلاق المجلس الشبابي للبن.

وقال الهياجم بأن المجلس سيوزع 3 آلاف شتلة على منطقة "طالوق" ذات التربة الخصبة والبيئة المناسبة لزراعة البن فيها، مضيفاً أنهم يسعون لتلقي تدريبات في تسويق البن محلياً وعالمياً، قبل تعميم التجربة على باقي مديريات محافظة تعز.
رئيس مؤسسة "بذرة" لتجارة البن حلمي المليكي قال إن العالم يولي البن اليمني قيمة كبيرة إذ تشتهر أرقى مقاهي ألمانيا مثلاً بإستخدام البن اليمني، فيما يصل سعر الكيلو الجرام منه في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 300 دولار لينافس البن البرازيلي.

وتُعد اليمن من أوائل البلدان المصدرة للبن عبر مينا المخاء الذي تنسب إليه التسمية التاريخية للبن اليمني "موكا".
وقال المليكي إن هناك قبولاً كبيراً من المجتمع الخارجي للبن اليمني وخاصه مع بروز جهات تعمل على تسويقه في الخارج بشكل جيد.
وأشار إلى أنه يمكن لشجرة البُن أن تعود بصورة أقوى من ذي قبل إن أوليناها اهتماماً خاصاً وتلقى المزارعون دعماً وتشجيعاً من خلال توزيع شتلات والمساعدة في توفير بعض التكاليف للعملية الزراعية.
لم يكن البن مجرد شجرة ولا مشروب يقدم للضيافة، بل كقيمة حاضرة للشعب اليمني بأكمله وضمن الهويات التعريفية باليمن أمام العالم، يحتفل اليمنيون به أملاً في إعادة أمجاده.