2022/02/28
  • كييف، خاركيف، أوديسا، خيرسون، لفيف.. يمنيون عالقون في جحيم الحرب الروسية الأوكرانية..
  • "أصوات المعارك المحتدمة لا تتوقف والانفجارات تدوي على بعد بضع كيلومترات منا، لا يفصلها إلا أزيز الطائرات المحلقة في سماء المدينة"، بهذه الكلمات يلخص الدكتور "منصور القاضي" جحيم الحرب التي وجد نفسه وأسرته محاصرا وسطها جنوب اوكرانيا.

    وتشهد أوكرانيا منذ الخميس الماضي، حرباً دامية إثر إطلاق الرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" عملية عسكرية واسعة في الدولة الجارة تحت يافطة محاربة من يصفهم بـ"النازيين الجدد"، المدعومين من حلف شمال الأطلسي "الناتو" لبلاده، فيما تقول كييف وعواصم غربية، إن موسكو تشن عدواناً غاشما وغير مبرر، لتدمير أوكرانيا والإطاحة بنظامها الديمقراطي.

    في الساعات الأولى، تعرضت مدينة "خريسون" عاصمة مقاطعة "خيرسون أوبلاست" المطلة على البحر الأسود، لقصف كثيف من الجو ومن السفن البحرية الروسية. كانت أصوات الهجمات والقصف مفاجئاً للدكتور وعائلته المقيمة معه في المدينة الجنوبية.

    يقول القاضي لـ "المصدر أونلاين"، إن "المواجهات بين القوات الروسية والأوكرانية مستمرة على مدار الساعة وعلى مدى الأربعة أيام حالات كر وفر تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطيران".

    ويضيف عضو هيئة التدريس بجامعة عمران الذي قدم إلى أوكرانيا للمرة الثانية في إجازة تفرغ أكاديمي منذ عام 2018م، "المواجهات تقليدية لكنها شرسة وعنيفة، خاصة في المدخل الجنوبي لمدينة خريسون".

    الحرب التي اشتعلت فجأة، حاصرت القاضي وعائلته في المقاطعة، كما حالت دون تمكنه من الوصول إلى عاصمة أوكرانيا في أقصى الشمال، حيث يعمل أستاذاً للغات الشرقية في جامعة "فرنادسكو" الوطنية بالعاصمة "كييف".

    في حديثه لـ "المصدر أونلاين" لا يظهر على الدكتور القاضي الجزع من الحرب، بقدر مخاوفه "من انقطاع الخدمات الأساسية كالغاز والكهرباء والاتصالات وهذا ما نخشاه جميعا".

    وأضاف: "الخدمات ما زالت تعمل لكن المتاجر مغلقة وتفتح المراكز التجارية الكبيرة الموجودة في الأحياء بشكل متقطع فقط.. مثلا قصدت أنا (أمس الأول) أحد المتاجر فوجدته مغلقاً.. يخشى الناس نفاد المواد الغذائية".

    وأكد القاضي تعبئة بياناته لدى سفارة اليمن في بولندا من أجل الإجلاء، "والقنصل متواصل مع الجميع".

     

    لا إحصائيات رسمية

    مع المؤشرات القوية باندلاع الصراع، سارعت السفارة اليمنية في بولندا، إلى حث اليمنيين على تأجيل سفرهم إلى أوكرانيا، ودعت في 13 فبراير الطلاب والمقيمين في الأراضي الأوكرانية، لتسجيل بياناتهم عبر موقعها.

    ولا تمتلك اليمن سفارة في أكرانيا لكنها تمثل بسفيرة غير مقيمة "ميرفت مجلي" وهي السفيرة المقيمة في بولندا، ولذا كان إجراء الاحصاء والتسجيل الإلكتروني الخطوة الأولى لمعرفة عدد اليمنيين لتقييم المخاطر وتنسيق عملية الإجلاء.

    وقالت اللجنة الخاصة التي ترأسها مجلي، إنها سجلت (حتى السبت) 291 يمنياً في أوكرانيا، مشيرة إلى أنهم يصلون مع عائلاتهم إلى نحو 600 مواطن بمن فيهم نحو 235 طالباً.

    وتسمح بولندا لليمنيين الفارين من أوكرانيا بدخول أراضيها، شريطة البقاء في مخيمات الإيواء لمدة 15 يوماً، قبل التوجه إلى دولة آخري لمن يملك تأشيرة ووفق اللجنة يمتلك 37 من المجليين تأشيرات لدول خليجية، وتعمل السفارة في بولندا على الحصول على تأشيرات للأخرين إلى مصر بناءاً على طبلهم.

    وقالت وزارة الخارجية اليمنية يوم الإثنين، إنه تم تسهيل إجراءات خروج 22 مواطناً يمنياً من الأراضي الأوكرانية، من بينهم عبور 18 مواطناً يمنياً للحدود الأوكرانية إلى الأراضي البولندية، و4 مواطنين عبروا إلى الأراضي الرومانية بتسهيل من القنصلية الفخرية هناك.

     

    رحلة صعبة

    رئيس اللجنة التحضيرية للجالية اليمنية في أوكرانيا الدكتور "محمود الجدحي"، أحد المحظوظين الذين تمكنوا من عبور الحدود الأوكرانية إلى بولندا، قال لـ"المصدر أونلاين"، إنه قطع رحلة طويلة من كييف إلى مدينة لفيف في الغرب الأوكراني.

    وأضاف: "كنت في خط السفر لأكثر من 58 ساعة والآن وصلت إلى بولندا"، مشيرا إلى الزحام الكبير والطوابير الطويلة على الحدود الأوكرانية البولندية، والتي يضطر فيها الناس لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام في أجواء قاسية وشديدة البرودة.

    وتقول الأمم المتحدة، إن ما يزيد على 380 ألف نازح، أغلبهم من النساء والأطفال فروا من الحرب في أوكرانيا إلى الدول المجاورة، غالبيتهم نزحوا باتجاه بولندا. ولا يشمل هذا الاعداد الكبيرة التي لا زالت في طوابير الانتظار داخل الحدود الأوكرانية.

    سفير اليمن في بولندا والسفير غير المقيم في أوكرانيا الدكتورة "ميرفت مجلي"، قالت إن "عدد اليمنيين المتواصلين معنا ممن هم الآن في طوابير الانتظار في الحدود الأوكرانية نحو 50 مواطنا".

    وأضافت مجلي لـ"المصدر أونلاين" وهي متواجدة في منفذ "ميدكا" الحدودي على الجانب البولندي، "نعاني من مشكلة أن البعض حين يدخل لا يتواصل معنا".

    وعن مصير باقي اليمنيين في المدن الأوكرانية الذين لم يتمكنوا من السفر أو فضلوا البقاء أو حوصروا مع المدنيين الأوكرانيين، أشارت مجلي إلى ارتفاع عدد اليمنيين الذين سجلوا بياناتهم على موقع السفارة "اليوم إلى 350 شخصا"، مستدركة "لكن لا يمكن الجزم أن جميعهم عبروا وتحركوا نحو الحدود".

    كييف صامدة

    في العاصمة "كييف" قرب الشمال الأوكراني، تشتد المعارك في محيط المدينة، حيث تهاجم القوات الروسية من ثلاثة محاور وتحاول بشكل مستميت لليوم الخامس تطويق المدينة واقتحامها بعد عزلها عن باقي الأراضي الأوكرانية.

    الهجوم الروسي الكبير ترك سكان المدينة المقارب عددهم للثلاثة ملايين شخص، في مرمى الصواريخ والمدفعية الروسية أو هدفاً سهلاً لطائراتها التي تحلق بشكل مستمر في سماء المدينة.

    وإضافة للأوكرانيين، تستضيف المدينة العدد الأكبر من الأجانب بمن فيهم نحو 150 يمنياً، يرجح أنهم لا زالوا في المدينة وعلى بعد بضع كليلو مترات من نيران المواجهة.

    الدكتور الغالبي أحد اليمنيين المتواجدين في كييف، يقول لـ"المصدر أونلاين"، إن بعض اليمنيين غادروا في أوقات سابقة إلى لفيف في الغرب الأوكراني "والبقية المقيمون مع أسرهم لا زالوا هنا في كييف".

    وعن الوضع يشير "الغالبي" إلى استمرار إجراءات حظر التجوال المشددة بالتزامن مع القتال العنيف في ضواحي العاصمة.

    ويذهب الغالبي إلى أبعد من الحديث عن وضع الإنساني في كييف ليؤكد ما تردده السلطات هناك "كييف قوية وصامدة والأمن مستقر والمعتدي يخسر الآلاف من القتلى دون ذلك لا أملك الحق في التصريح".

    وفي شمال العاصمة، نفذت القوات الروسية في الساعات الماضية هجمات تصفها وسائل الإعلام بالأعنف، يؤكد ذلك "يسري" المقيم منذ سنوات هناك قائلا "كانت المواجهات قريبة من منطقتنا، وحدثت قبل ذلك اشتباكات محدودة في شارع مجاور".

    وأَضاف لـ"المصدر أونلاين"، لكن بعد ساعات تراجعت أصوات القصف والمواجهات، كما تم احتواء الاشتباكات التي يقول الأوكرانيون إنها بين رجال الأمن وعناصر تخريبية مرتبطة بالروس".

    وعن ما إذا كان ينوي المغادرة، أكد أن أوكرانيا اصبحت بلده الثاني ولن يغادرها "لي اصدقاء وزملاء عمل وجيران تشاركنا معا الفرحة والحياة لسنوات، وسنتشارك هذه اللحظات العصيبة وأنا واثق بأننا سنتجاوزها وستنتصر أوكرانيا وتهزم العدوان".

    حرب شوارع في خاركيف

    على تخوم الحدود الروسية، تقع مدينة "خاركيف"، وهي ثاني أهم مدينة في أوكرانيا، وعاصمتها السابقة.

    في خاركيف يتواجد أكبر عدد من اليمنيين خاصة من الطلاب، ويبدو أن وضعهم شديد الخطورة، نظرا لما تشهده المدينة المحاذية لروسيا من هجمات مكثفة نجح خلالها الروس في إحراز تقدم مؤقت الليلة الماضية، والسيطرة على بعض المباني الحكومية والشوارع، تمكنت قوات أوكرانيا من استعادتها وفقا لوسائل الإعلام.

    وأكدت طالبة يمنية بكلية الطب تدعى "ندى"، خطورة الوضع قائلة لـ"المصدر أونلاين"، "سقطت قذيفة قرب سكني في وقت سابق أجبرت بعدها للجوء والاختباء مع الأوكرانيين في الملاجئ".

    وقال "أسامة خالد اليافعي" لـ"المصدر أونلاين"، " "والله الوضع صراحه سيء مع الأسف.. الناس اللي موجودة الآن تحت القصف".

    وأَضاف أسامه وهو طالب في السنة الأولى قسم برمجه في جامعة "خاركوف التقنية"، "هناك من غادر وهناك من ظل هنا والقصف مستمر يبتعد اوقات ويقترب اوقات أخرى".

    وأشار إلى نقص حاد في المواد الغذائية في المدينة، ولازم تمسك طابور ساعة إلا ربع على شأن تدخل المجمع التجاري وإذا دخلت الرفوف فاضية وقد تحصل وقد ما تحصل أي شيء".

    وعن عدم مغادرته للمدينة تحدث اليافعي عن مخاطرة أخرى تتمثل في توقف المواصلات العامة وصعوبة الوصول إلى محطة القطار الذي قد تكون متوقفة، مضيفاً "أنا أبعد عن القطار مسافة مشي ٤٠ دقيقة وهذي بالنسبة لي مخاطرة ولا توجد مواصلات عامة".

    وقال اليافعي، إن المعارك والقصف اشتد الليلة الماضية "القصف والمعارك رجعت أكثر والوضع صعب هنأ".

    يقطن أسامه في شقة ضمن مجمع سكني منفرد يقطنه عددً من الطلاب من جنسيات مختلفة وأوكرانيين ايضاً ويقع المبنى قرب نهر "سيفيرسكي"، وفي حال استمرت المعارك واشتدت الهجمات الروسية على خاركيف، سيكون أسامه وزملاء له في مرمى نيران المتقاتلين.

     

    آمال بتوقف الحرب

    فيما تواصل روسيا هجماتها على أوكرانيا، يبدو أن خططها في السيطرة السريعة على الجارة الصغيرة، صعبة المنال بعد مرور خمسة أيام من الحرب، وهذا في نظر وسائل الإعلام مؤشرات بإمكانية توقفها إذا توفرت عصى سحرية لذلك.

    ومؤخرا تغيرت عناوين الصحف التي كانت تتحدث في اليومين الأولين عن مغادرة الرئيس "فولوديمير زيلينسكي" لكييف وتشكيل حكومة منفى، لكن من الجيد أن الرئيس الأوكراني القادم من مسرح التمثيل، رفض العروض الأمريكية والغربية.

    تردد هذا وسائل الإعلام والمحللين الذين يتحدثون عن نوع من التوازن خلقتها المقاومة غير المتوقعة من الأوكرانيين، ما دفع الغرب للوقوف بكل ثقلهم خلف كييف والبدء بعملية تسليحها بالتوزي مع عقوبات اقتصادية كبيرة على موسكو.

    ويرى البعض أن المفاوضات التي ما زالت احتمالات حدوثها بين الأوكرانيين والروس غير واضحة، فرصة لوقف أخطر حرب تهدد العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

    والآمل الذي يتشبث به الأوكرانيين والروس المتضامنين معهم، موجود ايضا عن اليمنيين المقيمين في أوكرانيا، فالدكتور تكنولوجيا المعلومات "جمال خالد الجسري" المقيم مع أسرته في مدينة "أوديسا"، يرى أن فرصة توقف الحرب موجودة.

    وقال الجسري وهو حامل لدرجة الدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات في رده على سؤال "المصدر أونلاين": لا أحد يفضل البقاء هنا إذا استمرت الحرب. لكن أنا ما زلت وما زال عندي شوية أمل بأن هناك أمكانية أن يتفق الأكران والروس على وقف الحرب ونستمر في حياتنا".

    وأضاف: سننتظر التطورات في الساعات القادمة وإذا كان الوضع لا زال حرج سنضطر للمغادرة".

    وتتعرض مدينة أوديسا منذ صباح اليوم لقصف كثيف من جهة البحر وعبر الطائرات، ويقول الدكتور الجسري، إن معظم الطلاب المتواجدين في المدينة غادروا باتجاه الغرب الأوكراني والحدود البولندية "نحو 30 أو أكثر طالب غادروا المدينة، والمقيمين أو معظمهم ما زالوا هنأ في الغالب".

    ولم يتسن لـ "المصدر أونلاين" التواصل مع طلاب يمنيين وهم قلة يدرسون في مدن "سومي" (شمال) و"دنيبرو" (جنوب شرق) أوكرانيا، وهاتان المدينتان تتعرضان لهجمات كبيرة من قبل الروس. ألا أن مصادر طلابية أكدت لـ"المصدر أونلاين" أن الطلبة في هذه المدن وغيرها في مأمن من الخطر -في الوقت الحالي-، لكن ستظل حياتهم ومعهم المدنيون الأوكرانيون والأجانب "على كف عفريت" إذا استمر الهجوم الروسي على المدن الأوكرانية.

    تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط الخبر: http://yemensky.com/news38080.html