
أصدر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الجمعة، قرارات شملت تعيين قيادات جديدة لقوات الدعم والإسناد والحزام الأمني في أول تحرك للمجلس المدعوم من الامارات عقب اقتتال القوات التابعة له في مديرية الشيخ عثمان شمالي العاصمة المؤقتة للبلاد ما أسفر عن مقتل وإصابة 25 بينهم مدنيون.
وهذه القوات كانت الطرفين الرئيسين في الأحداث الدامية، الأربعاء الماضي، والآن تعزز هذه القرارات دوافع عدة بينها التخلص من الكلفة المادية لهذه القوات، إضافة إلى الانفراد بالسيطرة على عدن عقب القرار الذي تضمن إخراج قوات الدعم والإسناد وهي المنافس الرئيسي للقوات العسكرية التي يقودها عيدروس الزُبيدي.
إزدواجية الضم والالحاق...كيف تفسر؟
القرارات التي أصدرها الزُبيدي تضمنت الإشارة إلى نقطتين مزدوجتين فيما يخص تبعية هذه القوات، إذ جاء في القرار أن يتم ضم قوات الدعم والاسناد إلى قوام الألوية البرية للقوات المسلحة الجنوبية وفي الوقت نفسه إخضاعها لوزارة الدفاع.
ومن الواضح ان المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى من خلف هذه الإزدواجية إلى ضمان الاحتفاظ بالسيطرة على قوات الدعم والإسناد والإبقاء على ولاء هذه القوات وتبعيتها الإدارية له من جهة، ومن جهة ثانية يريد المجلس المدعوم من أبو ظبي خلف قرار ضم هذه القوات إلى وزارة الدفاع اتخاذ خطوة متقدمة صوب اتفاق الرياض.
وهذه الدوافع من قبل المجلس فيما يخص الإشارة إلى ضم القوات التابعة له إلى وزارة الدفاع تعززها بدرجة رئيسية رغبة المجلس في ضم هذه القوات إلى الكشوفات المالية لوزارة الدفاع إثر الضائقة المالية التي يواجهها المجلس ورغبته في التخلص من العبء المالي نتيجة نقص مصادر التمويل وغياب الدعم الإماراتي لقواته.
ويريد المجلس الانتقالي الجنوبي من هذه الخطوة مغازلة الرياض لإعادة احياء جهود تنفيذ الاتفاق الذي ترعاه المملكة، من زاوية ضم القوات وإعادة ترتيبها ماليا وإداريًا، في مسعى للتخلص من الضغط الناتج عن تأخر مرتبات القوات التابعة لها، والتملّص من المسؤولية الملقاة عليه من قبل أنصاره فيما يتعلق بملف صرف المرتبات.
لكن الخلاف يدور حول ما إذا كانت الرياض ستتعامل مع الخطوة التي أقدم عليها الانتقالي، لأن الخلاف بين الجانبين يتركز حول إصرار الانتقالي على رفض هيكلة قواته وتنظيمها ضمن قوام مؤسستي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما، لكنه في ذات الوقت يريد بقاء سيطرته على هذه القوات، وهو ما قوبل بالرفض من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
وتعثرت التفاهمات بين الجانبين إذ ضغطت السعودية على المجلس الانتقالي الجنوبي للمضي في تنفيذ اتفاق الرياض وسحب قواته وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وبدء ضم قواته إلى وزارتي الدفاع والداخلية على ان تصرف مرتبات هذه القوات، لكن الانتقالي كان متمسكاً بالإبقاء على تحكمه بهذه القوات خشية أن يفقد مكاسب ما بعد المواجهات التي انتهت بسيطرته على عدن في أغسطس 2019.
إعادة تثبيت التقاسم
أعادت القرارات التي أصدرها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي التذكير بالانقسام الكبير في صفوف القوات التابعة له، إذ شملت قرارات التعيين العسكرية الدفع بقيادات عسكرية من منطقة يافع في تثبيت لسيطرة المنطقة القبلية الكبيرة التي تتوزع مديرياتها الثمان على محافظتي لحج وأبين، على قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني.
وإذا كانت القرارات قد أبرزت حضور عيدروس الزُبيدي مجددا كقائد للقوات الجنوبية وإنه ما زال قادراً على فرض حضوره على جميع القيادات العسكرية وتمرير قراراته العسكرية، فهي أبانت عن حجم التقاسم المحدد سلفًا بناءً على فرضيات التاريخ والحشد العسكري والقبلي في الوقت الحالي.
وفي قراءة للعمق فإن الوضع سيكون مختلفًا فيما إذا تجاوز رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي تركيبة التقاسم ودفع بقيادات من خارج مناطق يافع إلى هذه المناصب في قوات الدعم والإسناد التي أصبحت تخضع بشكل كامل لسيطرتها مع انتماء جميع قيادات الألوية الـ6 إلى المنطقة ذاتها، باستثناء اللواء الخامس الذي يقوده مختار النوبي الذي ينتمي إلى ردفان.
ومن المرجح أن الزُبيدي يخشى من تغوّل قوات الدعم والإسناد بالشكل الذي أصبحت عليه الآن، إذ تمتلك قوات عسكرية ضاربة وتتوزع وحداتها في محافظات عدن ولحج وأبين وهو ما قد يسحب البساط من تحت أقدامه ويضعف حضور القوات التابعة له.
لكن الرجل بدا مضطرًا للتماهي مع هذا الوضع العسكري واللجوء لسياسة الاحتواء عبر تعيين قيادات من يافع بدلاً عن قادة آخرين من المنطقة ذاتها، لكن هذا الاحتواء قد يشهد لاحقا الانتقال إلى مرحلة تفكيك هذه القوات وإخضاعها له بواسطة استقطاب القادة المعينين لصالحه والتخلص من الصف الثاني الموالي للإرث القيادي السابق في هذه القوات.
وتعمد الزُبيدي إلحاق الصفة والتسمية العسكرية لقوات الدعم والإسناد في قرارته في خطوة تمهيدية من الرجل لإعادة توجيه هذه القوات في مهام عسكرية خارج عدن في اطار استراتيجية الإشغال والإلهاء وهذا سيؤدي إلى إضعاف نفوذ منافسيه في المدينة وسيمكن قواته من التحكم بالملف الأمني في المدينة.
وقد تتضمن خطوات الاحتواء لقوات الدعم والإسناد وإفراغها من المخزون القبلي التابع لمديريات يافع، إطلاق عمليات تجنيد واسعة في محافظتي لحج وأبين والضالع لضمان عدم نشوء تكتلات وتحالفات قبلية مستقبلًا ضمن هذه القوات.
وبشكل عام من الواضح أن أبو ظبي تعمل على الإبقاء على حالة التقاسم العسكري وتقاسم النفوذ في جنوبي البلاد بين منطقتي الضالع ويافع لعدة أسباب، يتصدرها ما يمكن اعتباره بالمخاوف الإماراتية من بروز قوة موحّدة في الجنوب ذات هدف سياسي واحد إذ من الممكن أن يؤثر ذلك على رغبتها في استمرار الهيمنة على القوى الجنوبية الأكثر قربًا منها.
وبدرجة أقل تأتي قوات الحزام الأمني في المرتبة الثانية من حيث التأثير في عدن والمحافظات المجاورة، على الرغم من خضوعها لسيطرة القيادات العسكرية التابعة ليافع إلا أن شكلها التنظيمي وتوزيعها وانتشارها في المدن الرئيسية يشير إلى أن التحكم بها والسيطرة عليها من قبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي يبدو ممكنًا نسبيًا، إذ لا تضم هذه القوات طيفًا قبليًا واحدًا كما هو الحال بالنسبة لقوات الدعم والإسناد.
وتتوزع قطاعات من الحزام الأمني في محافظات عدن ولحج والضالع وسقطرى وأجزاء من محافظة أبين، وهي من تدير الملف الأمني في هذه المحافظات على حساب قوات الشرطة الرسمية وهو ما دفع الزُبيدي إلى إصدار القرار ومنحها صك رسمي بحسب قراره لإدارة الملف الأمني في هذه المحافظات على ان تنضم للكشف المالي لوزارة الداخلية.
وهذه النقطة هي مثار خلاف آخر بين المجلس الانتقالي من جهة والحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة ثانية، فالحكومة ترفض وتطالب بتنفيذ اتفاق الرياض الذي يشير إلى ضم الحزام الأمني لوزارة الداخلية بيد أن المجلس الانتقالي من خلال القرارات الأخيرة يوافق على تنفيذ نصف القرار وهو ضم هذه القوات مالياً لوزارة الداخلية لكنه يرفض هيكلة هذه القوات وإعادة تنظيمها.
وأراد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي التخلص من الضغط الذي خلفه وجود قوات الدعم والإسناد في عدن عبر نقلها إلى خارج مدينة عدن في خطوة تقف خلفها مساعي من الأول إلى إزالة احتمالات أن تواصل قوات الدعم والإسناد تمددها في كامل عدن وهو ما يضع سيطرة القوات التابعة له على المحك.
التغطية على أحداث الشيخ عثمان
من أبرز ما وراء القرارات الأخيرة التي أصدرها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هو التغطية على الأحداث الدامية في مديرية الشيخ عثمان بين قوات الدعم والإسناد من جهة وقوات الحزام الأمني والتي كانت خلفت حوالي 25 شخصاً بينهم مدنيون والعشرات من العناصر من الجانبين.
ووضعت المواجهات التي صنفت بالأعنف في المدينة التي تتخذها الحكومة عاصمة للبلاد منذ العام 2015، منذ أحداث أغسطس 2019، المجلس الانتقالي الجنوبي تحت الضغط مع فشل قيادته في وقف الاقتتال إضافة إلى التعثر المسبق في التنسيق والاتصال بين فصائله المسلحة التي تنتشر في المدينة.
وأراد المجلس الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي تأسس في الـ27 من إبريل تحسين صورته التي اهتزت عند أنصاره ولدى السكان المحليين في عدن عبر تركيزه على إصدار قرارات تخص قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني وهما طرفا مواجهات الأربعاء الدامي.