
تسلمت قوات الحزام الأمني العشرات من الدوريات الأمنية الحديثة، ضمن دفعة أولى قدمتها الإمارات لتثبيت سيطرة حلفائها على مدينة عدن، لكن هذا يخالف البند الخاص بإعادة الإنتشار الأمني وفق اتفاق الرياض في العاصمة المؤقتة (جنوب البلاد).
واتفاق الرياض يتضمن في الملحق العسكري والأمني، إسناد مهام تأمين مدينة عدن لقوات الأمن العام والنجدة التابعتين لوزارة الداخلية، إضافة إلى خروج كافة التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الإنتقالي من المدينة إلى المحافظات المجاورة تمهيدًا لإعادة تنظيمها ودمجها في وزارتي الدفاع والداخلية.
لكن الدفع بهذه الدوريات وإستعراضها في شوارع المدينة، إضافة إلى استلام المجلس الإنتقالي مواقع أمنية جديدة في مدينة عدن، في هذا التوقيت الذي يأتي بالتزامن مع تطبيق الملحق العسكري والأمني لإتفاق الرياض بدءًا من محافظة أبين، يشير إلى عثرة جديدة في مسار تطبيق الإتفاق الذي تشرف عليه المملكة العربية السعودية.
قبل حوالي أسبوعين استلمت قوات الحزام الأمني رسميًا معسكر قوات خفر السواحل المتاخم للمطار الدولي في مديرية خورمكسر شرقي عدن، بعد أسبوعين حدث توتر كبير إثر احتكاكها مع وحدات شرطة تابعة لمدير أمن عدن المقال "شلال شائع"..
هذه الأخيرة دفعت بتعزيزات إلى محيط المعسكر الواقع في حي النصر، وبالمقابل تلقت قوات الحزام الأمني دفعة من التعزيزات لكن تدخل وساطات من قادة سياسيين وأمنيين أفضى إلى تسليم قوات الحزام المقر الأمني.
يقول مصدر أمني إن أحداث معسكر النصر كشفت عن صراع داخلي يعود إلى بدايات العام 2017 حول النفوذ والسيطرة بين الوحدات الأمنية الموالية لقائد أمن عدن السابق شلال شائع من جهة، وقوات الحزام الأمني من جهة ثانية، لكن هذا الصراع انتقل إلى مرحلة متقدمة بعد العام 2019، بعد أن أفرغت عدن تمامًا من القوات الحكومية.
يضيف المصدر أن قيادة المجلس الإنتقالي في الرياض، تلقت رسالة ضغط سلبية من عدن أثناء مشاورات اتفاق الرياض، مع تصاعد التوتر بين القوات المنضوية تحت لوائها في محيط معسكر النصر، لكنها تداركت الأمر بحل وسط يعيد تمكين القوتين الأمنيتين في عدن قبيل البدء الفعلي لتنفيذ الملحق العسكري والأمني لإتفاق الرياض.
يتضمن الحل أو المخطط، الإبقاء على قوة الطرفين، بما يساعد بشكل عام على احتفاظ المجلس الإنتقالي بالسيطرة الكاملة على الملف الأمني في المدينة ويوحد جهودهما مستقبلًا ضد الحضور الحكومي المفترض في عدن، عقب تطبيق الملحق العسكري والأمني لاتفاق الرياض.
في حين تحافظ الوحدات التابعة لأمن عدن على حضورها في المقر الرئيسي لإدارة الأمن ومراكز الشرطة، وقوات مكافحة الإرهاب عبر المئات من الضباط والجنود إستباقًا لاستلام مدير الأمن الجديد منصبه، أو تعيين قائد آخر بديلًا عنه.
وفي الجزء المهم من المخطط، يمثل استلام قوات الحزام الأمني معسكر خفر السواحل في هذا التوقيت تحديدًا، سعي المجلس الإنتقالي الجنوبي إلى تثبيت نفوذ قوات الحزام الأمني في عدن باعتبارها قوة مستقلة خاضعة لهُ، تنفذ الاجندة السياسية والأمنية الخاصة بالمجلس المدعوم من الإمارات، وتضم في هرمها التسلسلي ضباطاً وأفراداً وجنوداً ينتمون للمعسكر الجنوبي الداعي للإنفصال عن الشمال.
وهذا يأتي بخلاف قوات الأمن العام التي على الرغم من إحداث قوات شلال شائع خلال فترة قيادتها، تأثيرًا أيديولجيًا بداخلها، لكنها ستكون أكثر استجابة لأي خطوات لهيكلتها وإعادة تنظيمها، فيما إذا تم تنفيذ الجزء الخاص بمدينة عدن، من الملحق العسكري والأمني لاتفاق الرياض.
وتمكين قوات الحزام الأمني في عدن بهذا التوقيت قبل بدء تطبيق إتفاق الرياض في عدن، يهدف إلى تقديم قوات الحزام الأمني كجهاز أمني مساعد في العملية الأمنية بالمدينة للتحالف، لكنها كذلك تعني بدور آخر وهي القيام بمهمتين مزدوجتين معًا، إذ تريد هذه القوات الاحتفاظ بسيطرتها على المشهد الأمني في عدن، والقيام بدور المراقب لتحركات القوى الأمنية الأخرى.
والآن فإن الرسالة من الإستعراض للأخير لقوات الحزام الأمني بالدوريات الجديدة بعدن، التي لم تقدم الإمارات مثلها، منذ بدء تمويلها قوات المجلس الإنتقالي خلال الأعوام الأربعة الماضية، إضافة إلى خطاب قادة هذه القوات الذي لم يتضمن أي حديث عن إعادة تنظيمها ودمجها كما ينص إتفاق الرياض، موجهة للسعودية والحكومة.
ويعيد هذا جهود السعودية إلى الوراء، إذ يشير بند الملحق العسكري لإتفاق الرياض بالنص إلى استلام قوات الأمن العام والنجدة تأمين مدينة عدن فيما تغادر كافة التشكيلات المسلحة إلى خارج المدينة على أن يعاد لاحقًا ضمها وتنظيمها لوزارتي الدفاع والداخلية.
ومع أن الإتفاق لم يسمي هذه القوات بشكل محدد، لكن من الواضح أن الحزام الأمني هو أحد التشكيلات المشار إليها، والآن فإن الخطوة السعودية القادمة ليست واضحة بشأن التعامل مع الواقع الذي فرضته قوات الحزام الأمني، إذ أبانت عن نفسها بشكل واضح واستعرضت بمركبات تحمل شعار قواتها وهو وما يكشف عن جهود إماراتية رسمية لتمكين هذه القوات في عدن.
وهذا التحرك يمثل رسالة لإتفاق الرياض نفسه، وهي أن قوات الحزام الأمني من المحتمل أن لا تستجيب له، فهي ترفض هيكلة ودمج قواتها المقررة وبالتزامن تريد البقاء في عدن في شكلها السابق إبان الصراع، وإذا قبلت بذلك لاحقًا فهي ستطلب ضمانات الضم الرسمي في كشوفات مع بقاء قواتها مستقلة في القرار.
ويعيد حضور قوات الحزام الأمني والدعم والإسناد للواجهة في عدن ، التذكير بمساعي القوة الأمنية تقوية نفوذها، مقابل تصاعد نفوذ وقوة قوات العاصفة التابعة لرئيس المجلس الإنتقالي الجنوبي، إضافة إلى وحدات أمن عدن الموالية لقائد أمن المدينة السابق.
ويتبع الطرفان سياسيًا وإيديولوجيًا المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي يتبنى مشروع انفصال جنوب اليمن، كما أنهما يتلقيان الدعم والتمويل معًا من دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الصراع الخفي على الحضور في عدن بدأ يظهر على السطح خصوصًا بعد هزيمة القوت التابعة للحكومة في عدن، أغسطس 2019.
وتبرز أسباب هذا التنافس إلى سعي كل منهما لأن يصبح المتحكم الأول بزمام الملف الأمني في عدن، إضافة إلى رغبة كليهما في البدء بإضعاف الآخر خدمة لمشروع سيطرته في المدينة، وأحد عوامل التنازع بين الطرفين تتعلق بالإصطفاف المناطقي الذي يبدو بارزًا في صفوف هذه القوات وهو ما عزز حالة التحشيد القبلي المتبادل في هذه الزاوية.
فالقائد العام لقوات الدعم والإسناد إضافة إلى قادة الألوية الخمسة التابعة للقوات ذاتها، وقائد الحزام الأمني في عدن، عدا عن الغالبية المطلقة من قادة الفصائل والجنود ينتمون لمديريات يافع التي تتوزع بين محافظتي لحج وأبين.
فيما قائد الأمن السابق شلال شائع وقادة الوحدات التابعة له، بالإضافة إلى قوات العاصفة وقادتها ينتمون إلى محافظة الضالع التي تشكل في الأساس مع يافع وردفان تحالفًا تقليديًا من منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن الإنقسامات الآن بدت واضحة.
وبالفعل تمثل المناطق الثلاث القاعدة الرئيسية للحراك الجنوبي المتشدد المطالب بالإنفصال عن الشمال والذي بدأ فعالياته في 2007، وفي مواجهات أغسطس تحالفت قواتهما معًا ضد الحكومة وقواتها التي يقف على رأس قيادتها وزراء وضباط ينتمون لمحافظتي أبين وشبوة، والآن مع إفراغ عدن من الحضور السياسي والعسكري للحكومة، أصبح كلا الطرفين يراقبان بعضهما.
وعلى الرغم من وجود قادة عسكريين من محافظتي أبين وشبوة في صفوف القوات التابعة للإنتقالي الجنوبي لكنهم محدودو العدد ولا يملكون سلطة أو حضوراً قوياً في صفوف هذه القوات.
ومن الواضح أن الإمارات تدعم جميع هذه القوات وتسعى من خلالها إلى ضمان إبقاء حضورها عبر وكلائها، رغم مغادرة قواتها قواعدها في عدن أواخر العام الماضي، وإحلال القوات السعودية بدلاً عنها في مركز القيادة.
لكن بحسب الخطوة الأخيرة التي تضمنت تقديم الدعم بدوريات حديثة، يؤكد مساعي أبو ظبي في المقام الأول لإعادة تحريك قوات الحزام الأمني لصالحها، بما أنها القوة الأكثر كثافة والأكثر تأثيرًا من حيث قواعد الإنتشار والسيطرة، مع الإحتفاظ بالعلاقة مع الفصائل الأخرى.
وتميل القوة البشرية ومناطق السيطرة لصالح لقوات الدعم والإسناد والحزام الأمني، التي تمتلك قوات رئيسية في قيادة حزام عدن، إلى جانب عدد من القطاعات الأمنية في المدينة والمحافظات المجاورة، فيما تتواجد 5 ألوية دعم وإسناد تمتلك عتاداً ثقيلاً يضم عربات ودبابات، في لحج وعدن.
ويبدو الطرفين قريبين من بعضهما في مستوى التسليح والعتاد العسكري الذي تقدمه الإمارات لكلا الطرفين اللذين شكلا خلال الفترة الماضية ذراعها العسكري لتنفيذ أجنداتها في مناطق جنوب اليمن.