2019/03/04
  • حين يتحول الإنسان إلى لغم
  • بدت له فكرة صعبة أن يولد ليصبح رجلاً في طفولته فقط لأن والده توفي وهو أكبر أخوته.

    محمد منذ صغره وهو يعمل لإعالة أسرته؛ يتنقل من عمل لآخر دون يأس ودون استقرار

    كل أزقة وشوارع الحديدة وما حولها تعرف وقع خطواته في عمل ما .

    مارس كل الأعمال التي خطرت على باله وأوعزت بها والدته؛ تلك التي يقدر عليها وتلك التي تعجزه .

     في بيئة قاسية كتهامة بقاءك على قيد الحياة هو انجازك العظيم .

    كلما عاد نهاية يوم شاق إلى أمه وأخوته أراح قدميه المتشققة وهو يقول : متى أستقر في عمل ومكان ثابت يا أمي ؟

    وابتسم له الحظ أخيرا .

    استقر لفترة قصيرة في عمل مع أحد التجار؛ كان قد أغدق على محمد بشفقته وإحسانه لنزاهة ومثابرة وجدهما فيه .

     لكن هذا التاجر صفى أعماله وغادر إلى المهرة بعد دخول مليشيا الحوثي .

    بدخول الحوثي إلى الحديدة تقوضت كل أحلامه كما تقوض الأمان في بقائه في أزقة المدينة الخانقة حراً وحرباً .

    فكر أن يغادر المدينة مستأنفا رحلة معاناته في البحث عن عمل؛ لم يكن يعنيه كثيرا من يحكم مدينته؛ منذ عهد طويل وخيراتها تصب في كنف الزيود .

    توسل التاجر المسافر أن يلحق به إلى المهرة حيث استقرت تجارته؛ غير آبه أين تستقر قدماه!!

    قال له صديق التعب والشقاء : بدل الرحيل تعال ننضم إلى القوات التهامية ولنقاتل هؤلاء الذين أفسدوا ودمروا بلادنا وحياتنا .

    لكنه كان يخشى على من بعده؛ ويسعى للحياة وليس الموت .

    حين قبل التاجر بسفره إليه شعر أن الأمل فتح له بابا نحو مستقبل آمن . 

    لكن علاقته بالحياة انتهت مع أول خطوة نحو المستقبل .

    انتهت علاقته وانتهت أحلام عائلته به؛ وبعد أن كان محط توقعات الجميع وعليه تعلق الآمال

    صار عبئا ثقيلا على كاهل الجميع .

    في أول خطوة له خارج منطقته في الحديدة تلقفه لغم أرضي حوله إلى كائن لصيق بالأرض .

    يزحف ببطء بحثا عن مكان يريح عليه أوجاع روحه وما تبقى من جسده .

    لغم أرضي خبيث أصر أن ينتزع ساقيه المشققة معا ويبقى نصفه الأعلى حيا في معاناة لا توصف .

    لغم أرضي أصم وصامت يقتلع من صدره كل يوم آلاف التأوهات والدموع؛ حول روحه إلى لغم هائم ينفجر في وجوه المشفقين في صراخ محموم .

    لم يعد سوى عبء ثقيل في وجوده وحركته؛ جذعه المليء بالخدوش مثل قلبه ينزف كلما تحرك محاولا التنقل في طرقات عرفت وقع خطواته السريعة .

    في أبشع توقعاته لم يتخيل هذه النهاية التي أهدتها له الحياة بعد أن فتحت له ذراعيها أخيرا مرحبة .

    لقد أفسد الإماميون الحوثيون حياته كما أفسدوا حياة أبناء تهامة قديما وحديثا .

    يتمنى لو عادت له ساقاه فقط كي يقاتلهم حتى الموت؛ كل قصص بطولات الزرانيق التي سمعها في طفولته صارت حية في قلبه معتقة بروح الانتقام؛ لا شيء يتمناه إلا أن يقاتلهم كما قاتلهم أجداده التهاميين .

    يتمنى لو تحول ما تبقى من جسده لغما في طريقهم كما لغموا مستقبله وحياته ومدينته.

    تم طباعة هذه المقالة من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط المقالة: http://yemensky.com/art2255.html