2015/01/19
  • مكافحة الإرهاب بطريقة تؤدي إلى تكريسه..!
  • بعد انتهاء مسيرة الجمهورية قام الرئيس الفرنسي هولاند بتوديع رؤساء الوفود، وقبّل معظمهم شاكراً في وقت بدا حريصاً على منح أحرّ قبلاته للسيدات، لكنّه لم يقبّل رئيس الوزراء التركي داود أغلو، لا بدّ أنّه شعر بشيء تجاهه، كما لم يقبّل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على الأغلب لم يعرفه. أرغمت تركيا على المشاركة بالمسيرة لتدفع عن نفسها تهم الإرهاب ودعمه وتهم قمع الصحافة وحرية التعبير، نظراً لما فعلوه مؤخراً ضدّ ما يسمونه الكيان الموازي أو جماعة فتح الله غولان ومؤسساته الإعلامية، ظهرت تركيا صغيرة جداً في تلك المسيرة، فهي لا تستطيع الخروج عن الخط الغربي خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بمحاربة ما يسميه الغرب إرهابا، فلا مفر عندها من تصدر الغوغاء في سبيل دفع تهمه، حتى إن اقتضى الأمر السير في مقدمة مسيرة يرفع المشاركون فيها صورا مسيئة للرسول محمد (صلعم). وهذا ما يعاكس صورة حزب العدالة والتنمية الذي يسعى دائماً إلى الظهور كمدافع عن المسلمين ويبقى هذا إعلامياً فقط، فقد شاهدنا داود أغلو نفسه حين كان وزيرا للخارجية يزور ميانمار ويلتقي بشخصيات من زعماء الروهينغا، لا بل وضع أحدهم رأسه على صدره باكياً شاكياً. سمع كل شيء بحرص ثم عاد إلى أنقرة دامع القلب، لتغزوا تلك الصورة الفيسبوك وقد رُفِعَ الوزير وحكومته إلى أعالي السماوات، ولكن بقي حال الروهينغا دون أي تغيير، فلا فرق عملياً بين ما فعلته تركيا من أجلهم وتجاهل باقي المسلمين لهم. كما يظلّ الرئيس أردوغان ينتقد ممارسات إسرائيل، لكنه يسمح ببيعها النفط الكردي، الآتي من كردستان العراق دون إذن الحكومة المركزية واضعاً بذلك آخر حجر في بناء الكيان الكردي شمال العراق. تلك الصورة الإعلامية كانت تقتضي من داود أغلو عدم المشاركة في المسيرة والاكتفاء بزيارة الإليزيه، لكنه وعقب عودته من ألمانيا وخلال اجتماع مع الكتله البرلمانية لحزبه أكّد أنّه يسعى لعمل مسيرات ضد الاعتداءات على المساجد. ستنشر فرنسا آلاف الجنود لحماية دور العبادة اليهودية ثمّ ذيّل الخبر وأيضاً الإسلامية، لكن خمسين اعتداءً تعرضت له المساجد خلال الأيام القليلة التالية لأحداث شارلي إيبدو اكتفوا بالتنديد بها فقط دون أن يوجّهوا أية تهمة لأي شخص أو جماعة، ولم يجدوا أيضاً صورة عن هوية الجاني منسية في سيارة استقلّها بعد تنفيذه الاعتداء؛ فتتحرك لذلك المروحيات لتلاحق الفاعلين، إلى أن تتمكن قوى الأمن من قتلهم، ثم ينتحر الضابط المسؤول عن التحقيق في القضية. الطريقة التي تعالج فيها باريس أحداثها الأخيرة، وانتشار الحواجز العسكرية فيها تدفع اللاجئين السوريين – المرغمين على مغاردة مراكز الإيواء عشر ساعات بغض النظر عن ظروف الطقس ليتشردوا في الصقيع- إلى عدم الإحساس بالغربة مطلقاً، ينقصهم فقط مشاهدة المجندين بذقون طويلة يشربون المتّة على الحواجز، لابدّ أنّ التعاون الاستخباراتي الغربي مع نظام الأسد يؤتي أكله إلى درجة دفعتهم إلى استنساخ حتى أدق تفاصيل تجاربه وتجارب والده من قبله. تبنّى تنظيم القاعدة في اليمن «غزوة باريس» كما سمّاها الشخص الذي ظهر في الفيديو بعد مرور ثمانية أيام فقط عليها، ربما لأنّهم لا يصدقوا أياً من وسائل الإعلام، لذلك انتظروا وصول الحمام الزاجل محملاً بالأخبار الصادقه، وهذا ما دفع هولاند إلى إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول إلى الخليج للمساعدة في العمليات ضد داعش لابد أنّ عليه تغيير نظاراته. قبل الحادثة بيومين اعترف هولاند بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه والمجتمع الدولي بعدم ضرب نظام الأسد وإسقاطه، بعد مجزرة الغوطة الكيماوية في وقت لم يكن فيه وجود لداعش، مبيّناً بشجاعة نادرة أنّ سبب ظهورها، وأحد أهم الأسباب لظهور وتفشي الإهارب، هو الأنظمة الدكتاتورية، لكن ذلك الندم لا يتعدى إلقاء حجر في الماء الراكد طالما لم يجرِ اعتماد أية خطط جدية لمحاربة داعش، وكذلك إسقاط نظام الأسد سواء عسكرياً أو حتى سياسياً. توجب على هولاند فعل شيء أمام الرأي العام الفرنسي بعد حادثة شارلي إيبدو؛ فحرك حاملة طائراته، كما توجب على أوباما سابقاً عمل شيء بعد إعدام الصحافيين الأمريكيين، فأطلق تحالفه الشهير للحرب على داعش. لا توجد جدية في مساعي هولاند الأخيرة هذه تماماً كما لا تزال تغيب الجدية عن تحالف أوباما، فخلاله تمددت داعش أكثر في كل من سورية و العراق مما يؤكّد أنّ داعش ليست المقصود من التحرك، وإنّما هي ذريعه لشيء آخر، فهل تحالف أقوى جيش في العالم مع ستين دولة أخرى غير قادر على استئصال عصابة لا يزيد عددها بحسب معظم التوقعات عن الثلاثين ألفاً، لكن هناك من يرغم على تصديق ذلك. أهم سبب من أسباب الإرهاب هو دعم الغرب للأنظمة الدكتاتورية التي تسحق شعوبها وأيضاً الدعم أو الصمت الغربي عما يتعرض له المسلمون في كل بقاع العالم من فلسطين إلى سوريا والعراق وميانمار وإفريقيا الوسطى والصين وتايلاند والقائمة تطول، وكذلك التمييز الذي يتعرض له المسلمون من الجيل الثاني وحتى الثالث في أوروبا ذاتها. فلو وجد الكثير من المتحولين إلى الإرهاب فرصة عمل مناسبة و حياة كريمة لما فكرواإلا بالاستمتاع بها. الأخوان كواشي لم يتربيا في كنف عائلة قد تحشي رؤوسهم بأفكار التطرف وإنّما تكفلت بهما مؤسسة خيرية قبل أن يعودا لحياة البؤس والفقر وهذا هو السبب الرئيسي الثاني الذي يدفع الشبان نحو التطرف. ومع ذلك لا تزال تجري وتفاقمه، فهل هم أغبياء إلى هذا الحد أم أنّ لديهم أولويات أخرى؟ وهم قادرون على التعامل مع هذه النسب المتدنية جداً من الأعمال الإرهابية نظراً لأنّ ما تعرض له العالم من أعمال إرهابية خلال عشرات السنين لا يساوي أسبوعاً واحداً في سورية أو العراق أو فلسطين أو أي دولة من الدول سابقة الذكر، حيث لا يقتصر الإرهاب على المجموعات المتطرفة وإنّما تمارسه أنظمة لديها خبرة عميقة في ممارسته. هناك سؤال يقض مضجع الكثيرين: لماذا لم نشهد حتى الآن أي عملية لتنظيم القاعدة أو أي فرع من فروعها سواء المنشقة عنها أو حتى التي لا تزال تواليها في إسرائيل؟ بل تتركز جلّ عملياتهم ضدّ المسلمين أنفسهم. ٭ كاتب سوري بشار عمر
    تم طباعة هذه المقالة من موقع يمن سكاي www.yemensky.com - رابط المقالة: http://yemensky.com/art15.html