بين التصويت لصالح خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي وانتخابات الرئاسة الأمريكية، يجتمع قادة الاقتصادات العالمية الكبرى مطلع الأسبوع المقبل، في الصين، في ظل حاجتهم لبناء دفاعات قوية تحمي التجارة الحرة والعولمة التي طالما ناصروها.
وعلى المحك يقف التوافق على العولمة الذي أعقب الحرب العالمية الثانية والتي يقول مناصروها، إنها ساعدت في انتشال الكثير من سكان العالم من الفقر.
والصين التي تستضيف اجتماع مجموعة العشرين هي ذاتها أحد أكبر الرابحين من التجارة العالمية، إذ صارت في مقدمة المصدّرين في العالم.
لكن تصويت بريطانيا غير المتوقع لصالح الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي وصعود نجم دونالد ترامب المناصر لإجراءات الحماية في الولايات المتحدة، أحدثا هزّة في ذلك التوافق قبيل قمة العشرين التي تنطلق يوم الأحد، في هانغتشو.
وقال البروفسور مارك ميلاتوس من جامعة سيدني “هذا الاجتماع -الأول منذ الانفصال البريطاني والانتحابات الرئاسية التمهيدية في الولايات المتحدة- ينبغي أن يوصل رسالة واضحة بأن قادة العالم سمعوا عن مخاوف الناس بشأن العولمة واتخذوا خطوات من أجل فهمها ومعالجتها بشكل أفضل.”
وحذّر من أن “الخطر يكمن في عدم تحقيق المزيد من التفاهمات بشأن فوائد التجارة العالمية والاستثمار سيبدو حديثًا أجوف.”
وبينما كانت هناك بعض الإقرارات في الآونة الأخيرة، بأن ثمار العولمة لا يجنيها الجميع تحدّث وزير الخزانة الأمريكي جاك لو هذا الأسبوع عن أناس غاضبين وقلقين ممن يشعرون بأنهم صاروا رقمًا مهمشًا في الوقت الذي لمّح فيه البيت الأبيض أيضًا إلى مسعى جديد، بشأن اتفاق التجارة المثير للجدل، والمعروف بالشراكة عبر المحيط الهادي مع اقتراب ولاية الرئيس باراك أوباما من نهايتها.
وأثبتت مجموعة العشرين وجودها بعدما تبنّت موقفًا مشتركًا، إزاء الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن معارضة التجارة الحرة لاقت تأييدًا في الآونة الأخيرة على ما يبدو في الوقت الذي غاب فيه دفاع متماسك عنها.
ومن بين أكبر النقاط الشائكة أيضا الطاقة الإنتاجية الزائدة في قطاع الصلب العالمي، وهي أمر موجع للصين بصفتها أكبر منتج للمعدن في العالم. ومن بين الأمور الأخرى المثيرة للقلق معوقات الاستثمار الأجنبي ومخاطر تخفيض قيمة العملة لحماية أسواق التصدير.
وقالت كريستين لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، إن قادة مجموعة العشرين بحاجة إلى عمل المزيد من أجل تحفيز الطلب وتحسين ظروف التجارة والعولمة ومحاربة عدم المساواة، ووصفت لاجارد النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي بأنها “تراجع طفيف في النمو” وأنها “هشّة ولا تغذيها التجارة بكل تأكيد.”
مصالح متضررة
يقدّر مركز أبحاث السياسات الاقتصادية عدد الإجراءات التي طبقتها حكومات مجموعة العشرين في الأشهر الثمانية الأولى من 2016، بنحو 350 إجراءً أضرّت بمصالح أجنبية.
وقال المركز الأوروبي في تقرير عن التجارة نُشر قبل اجتماع مجموعة العشرين الذي يُعقد في الرابع والخامس من سبتمبر/ أيلول، “القفزة في إجراءات الحماية التي اتخذتها مجموعة العشرين في 2015 و2016 تتزامن للأسف مع توقف نمو أحجام التجارة العالمية.”
وفتحت غرفة التجارة الأمريكية في واشنطن يوم الخميس، النار على ما اعتبرته إجراءات حماية تتسلّل إلى قطاع المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، حيث أصدرت تقريرًا يتحدث عن إجراءات جديدة من الصين إلى روسيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وقالت الغرفة في التقرير المؤلف من 107 صفحات، إنها “قلقة بشدة من أن عددًا متزايدًا من الإجراءات الموثّقة في التقرير لها أثر الأهداف الحمائية المتقدمة باسم الأمن القومي.”
والأمن القومي هو السبب الذي استندت إليه الحكومة الأسترالية عندما رفضت عروضًا صينية تتعلق بشبكة للكهرباء الشهر الماضي، وهو قرار وصفته بكين بأنه “حمائي.”
وعندما حدد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود بونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أولوياتهما فيما يتعلق باجتماع هانغتشو هذا الأسبوع كانت التجارة الحرة في ذيل القائمة. وجاء قبلها أزمة اللاجئين ونمو الوظائف والاستقرار المالي والشفافية الضريبية.
وكتب يونكر وتوسك في خطاب مشترك يقولان “قمة العشرين ستناقش كيفية عكس اتجاه التباطؤ في نمو التجارة والاستثمار الأجنبي… وتعريف المواطنين بفوائد التجارة مع معالجة مخاوفهم.”
غير أن المنتقدين يجادلون بأن الساسة غالبًا ما يبالغون في الحديث عن فوائد العولمة، مما يتسبب في خيبة أمل للرأي العام.
ويروّج باراك أوباما لاتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي على أنه محرك لخلق الوظائف غير أن معهد بترسون في واشنطن يتوقع أنه قد يضيف في مجمله 0.5 بالمئة إلى النمو الاقتصادي بعد 15 عامًا.
ويتصدر الاتفاق الذي يضم 12 دولة قائمة الأهداف التشريعية لأوباما في الفترة الباقية من ولايته غير أنه يتعرّض لانتقادات في الداخل والخارج، إذ عارضه المرشحان الرئيسان في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، الجمهوري ترامب والديموقراطية هيلاري كلينتون وألقيا باللوم على اتفاقات سابقة في تدمير وظائف الأمريكيين.
وإذا كان هناك أمر في اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي، فإنه يسلّط الضوء على الانقسامات داخل مجموعة العشرين. وجرى تصدير الاتفاق على أنه الدعامة الاقتصادية لخطة أوباما الأوسع نطاقًا لإحداث تحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا ومجابهة القوة الصاعدة للصين مضيف الاجتماع.
وقال آدم تريجز الباحث بمدرسة كراوفورد للسياسة العامة في الجامعة الوطنية الأسترالية والعضو السابق في قوة عمل مجموعة العشرين الأسترالية في تقرير “مجموعة العشرين بحاجة إلى العمل بشكل أفضل على التعريف بفوائد التجارة الحرة مع إعطاء الدفعة السياسية اللازمة لفك الجمود في تحرير التجارة المتعددة الأطراف.
وأضاف تريجز : “نجاح قمة العشرين في هانغتشو يعني معالجة تحديات عالمية كبرى من خلال إجراءات عملية يمكن أن يفهمها الرأي العام”.